لمحة من حياة الإمام الروحاني «قدس سره» ( لسماحة السيد صادق بحر العلوم )
لمحة من حياة الإمام الروحاني «قدس سره»
سماحة السيد صادق بحر العلوم - أمريكا
بسم الله الرحمن الرحيم
يجمع سماحة السيد الروحاني إلى جانب علومه وتبحره فيها، شخصيته الاجتماعية التي ينفرد بها، فعندما تجلس مع سماحته تشعر بأنك مع إنسان لطيف المعشر، كريم النفس، بسيط الحال، يتجاذب معك أطراف الحديث الممتع، فيحدثك باللغة العربية ويناقشك السياسة الإسلامية والعربية والعالمية، وكأنه بحر عميق في هذا العلم.
السيد الروحاني يحمل الكثير من العادات العراقية، وهو وفيٌ لها ولشعبها، ويعيش المأساة العراقية في أعماقها، وهو يدين للحوزة العلمية في النجف الأشرف وفاء الأحرار، ورغم أنه يعيش حالياً في مدينة قم المشرفة بعد مغادرته النجف الأشرف قسراً، إلا أنه وكثيراً من المجتهدين والعلماء والشخصيات الإسلامية يقرون بأهمية الحوزة العلمية في النجف الأشرف، التي يعود تأريخها إلى ألف عام، والتي تخرج منها آلاف العلماء وأعداد من المراجع العظام.
«السيد الروحاني» عاصر الكثير من المراجع العظام، وعاش مآسي شعب العراق تحت حكم الطغاة البعثيين، وله مع ذلك الشعب المضطهد مواقف أخوية وأبوية، ومع النجف الأشرف مدينة الإمام عليu حب وفاء وعهد.
ولادته وأسرته:
ولد سماحته في مدينة قم المقدسة في سنة 1338 هـ في بيت عريق في العلم والزعامة الدينية، فإن والده المغفور له آية الله السيد محمود الروحاني «طاب ثراه» كان يُعد يوم ذاك من أشهر العلماء في الرعيل الأول، ومواقفه المشرفة وخطواته الجهادية في تلك الظروف الراهنة التي كانت تعصف بإيران وأجوائها الدينية يوم ذاك تعتبر من أهم مميزاته «قدس سره»، وكان المغفور له من جملة العلماء الأماثل الذين ساهموا في تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرفة، حيث ألّفوا وفداً قوامه من العلماء وهو أحدهم، وقاموا بزيارة المرحوم آية الله العظمى الشيخ عبدالكريم الحائري «قدس سره» في مدينة أراك، طالبين منه بإلحاح بالغ السفر إلى قم والإقامة فيها، ليكون ذلك خطوة أولى في سبيل تشييد أركان الحوزة العلمية وتقويم دعائمها، وفعلاً نجحوا في طلبهم، ونزل الشيخ الحائري «قدس سره» عند رغبتهم وأجاب دعوتهم، وتم على أيديهم ومساهمتهم تأسيس الحوزة العلمية في قم المقدسة.
كما أن جده لأبيه آية الله العظمى السيد صادق الروحاني «طاب ثراه» كان مرجعاً كبيراً وزعيماً دينياً مرموقاً في عصره في مدينة قم المقدسة.
مسيرته العلمية:
أنهى سماحته المراحل الأولية من دراسة الأدب العربي، بما يشتمل عليه من علوم الصرف والنحو والبلاغة، وعلم المنطق، ومعظم ما يصطلح عليه بالسطوح في مدينة قم، وعلى يد أساتذة واختصاصيين في هذه المواد، وقد كسب إعجاب أساتذته - وهو طالب في هذه المراحل - وذلك لذكائه الخارق وانكبابه على الدراسة بحيث لا يعوقه عنها عائق.
كما أن والده «قدس سره» كان يوليه منذ الطفولة برعاية خاصة، ولا يؤخر جهداً في تربيته الدينية وتدريبه على مكارم الأخلاق والسلوك الديني اللائق، وكأنه توسم فيه منذ البداية الخير والصلاح والمستقبل المشرق، وكأنه أُلهم بأن الله سبحانه سوف يحمله مسؤولية جسيمة، فعكف على تربيته وأناطه بعنايته الخاصة، وفعلاً كان من فضل الله عليه أنه كان وهو يدرس في سن مبكر متحلياً بالسجايا الكريمة ومكارم الأخلاق وعاكفاً على الدراسة ومثابراً عليها.
ثم سافر سماحته إلى العراق سنة 1355 هـ وحلّ مقيماً في كربلاء المقدسة، وذلك لمدة سنة واحدة، عاكفاً على دراسة ما يصطلح عليه بالسطوح العليا على كبار أساتذة كربلاء ومدرسيها يوم ذاك، أمثال العلامة الحجة آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني «قدس سره».
وبعد الانتهاء من دروس السطوح سافر إلى النجف الأشرف، وذلك في سنة 1357 هـ، وحضر على كبار الأساتذة والمحققين في ذلك العصر، أمثال المرحوم آية الله المحقق الشيخ محمد حسين الاصفهاني «قدس سره» وآية الله الشيخ محمد علي الكاظمي «قدس سره» وآية الله محمد رضا آل ياسين «قدس سره» وآية الله المحقق الشيخ محمد كاظم الشيرازي «قدس سره».
كما أن سماحته حضر على الإمام الرحل الخوئي العظيم «قدس سره» في فترة ما بعد ارتحال أساتذته السالف ذكرهم، وفي فترة الاختبار الذاتي من ملكته الاجتهادية، وذلك بعد ما بلغ مرتبة سامية من الفقه وأصوله، واعتُرف له بمنزلة كبيرة من العلم، واستفاد منه «قدس سره» برهة من الزمن، وهو من الأوائل الذين غادروا بحثه الشريف، مستوعباً آراء غيره من أوائل المحققين، مستغنياً عن الدراسات العليا، ومدرساً للخارج في مجالي الفقه وأصوله.
وكان يقوم بتدريس السطوح العالية إلى جانب حضوره لمحاضرات دروس الخارج على العلماء الفطاحل الآنف ذكرهم، كما كان في هذه المرحلة يعيد محاضرة الأستاذ على بعض زملائه ويقررها لهم مرة ثانية، لما لا تسمح لهم ظروفهم الدراسية بالاكتفاء بمحاضرة الأستاذ.
وقبل ما يقرب من أربعين سنة، اجتمع لديه مجموعة من أفاضل الطلبة وأماثل العلماء، طالبين من سماحته إلقاء محاضرته عليهم ذات المستوى الأعلى، وما يصطلح عليه بالدرس الخارج في الفقه وأصوله، وفعلاً نزولاً عند رغبتهم وانطلاقاً من واجبه الشرعي تجاههم، بدأ بتدريس الخارج منذ ذلك الحين، مع الاعتراف من فحول الأساتذة وأبطال الدراسات العليا، وفي مقدمتهم سيد العلماء وأستاذ المجتهدين فقيد الإسلام الغالي - الذي تبكيه عيون المؤمنين في هذه الأيام، وخيّمت على المجتمعات الشيعية بفقده أمواج من الألم والحزن والأسى - آية الله العظمى الإمام الخوئي الراحل «قدس سره»، مع الاعتراف منهم أنه خاض مجالاً يعدّ من أوائل فرسانه، ومثلوا اعترافهم هذا وسجلوه في تشجيع الطلاب الأفاضل لحضور درسه والاستفادة من علومه، ومنذ ذلك أخذ الفضلاء يرتادون مجلس بحثه وتدريسه ويروون غليلهم من مناهل علمه وفضله.
وممن حضر عليه بعض هذه الفترة: آية الله العلامة الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، نجل الإمام الحكيم «قدس سره»، حيث حضر عليه دورة كاملة في مباحث الأصول وبعض أبواب الفقه مثل الخمس والصوم والحج، وكان المرحوم الشهيد يسجّل جميع ما يستوعبه من دروس أستاذه ولطائف تحقيقاته، وقد قام بعض الفضلاء أخيراً بتبييض وتحقيق الكراريس الأصولية للمرحوم الشهيد وإعدادها للطبع، لينتفع بها الأساتذة والمدرسون في الحوزات العلمية.
وممن حضر عليه بعض هذه الفترة من العلماء الأماثل: العلامة الحجة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والعلامة الحجة السيد محمد حسين فضل الله، وأخوه العلامة المغفور له السيد محمد جواد فضل الله، ومن الجدير بالذكر أن العلامة الحجة الفذ المجاهد الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر «قدس سره» قد حضر على سماحته «دام ظله» فترة لا تقل عن أربعة عشر عاماً، ودرس خلالها علم الأصول والفقه، وممن حضر أيضاً: الشيخ محمد رضا الجعفري، الذي يمتاز سماحته اليوم في أجواء العلماء والمحققين بالثقافة الواسعة والنظر الدقيق في مختلف العلوم الإسلامية وخاصة في علمي الكلام «العقائد» والتأريخ الإسلامي، والعلامة الحجة الشيخ محمد صادق الجعفري، والعلامة المغفور له السيد محي الدين الغريفي، والعلامة الحجة الشيخ بشير الباكستاني، الذي يؤدي دوره الآن في النجف الأشرف بتدريس الخارج، والعلامة المفضال مثال التقوى والزهد السيد إبراهيم الحجازي، الذي هو الآخر يقوم بعمله العلمي من خلال إلقاء المحاضرات العلمية على المستوى العالي في المشهد الرضوي المقدس، والعلامة الحجة الشيخ عباس البيرجندي، الذي هو الآخر يقوم بمهمة التدريس في السطوح العالية في حوزة مشهد العلمية، والعلامة المؤلف القدير السيد جمال الدين الموسوي، والعلامة الحجة السيد علي مكي نجل المغفور له آية الله السيد حسين المكي «قدس سره» وهو الذي يحمل الآن مسؤولية الطائفة الشيعية في سوريا، وخلف أباه المقدس المغفور له في هذه المسؤولية منذ أكثر من أربعة عشر عاماً.
مؤلفات سماحة السيد الروحاني:
أغلب المؤلفات لا تزال مخطوطة، فمنها شرح مكاسب الشيخ الأنصاري، وشرح استدلالي على العروة الوثقى في كتابي الطهارة والصلاة، وهناك تعليقه على كتاب الاجتهاد والتقليد، للمحقق الشيخ محمد حسين الاصفهاني، إضافة إلى تقريرات بحوث الأصول والفقه التي ألقيت في النجف الأشرف، وهي:
1» تقريرات بحث الأصول «منتقى الأصول» التي كتبها الشهيد آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم.
2» تقريرات فقه كتاب الحج والصوم والخمس، كتبها أيضاً الشهيد آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم.
3» تقريرات فقه الزكاة، كتبها العلامة الشيخ محمد صادق الجعفري.
4» رسالة السيد الروحاني العملية «منهاج الصالحين» في جزئين: العبادات والمعاملات، إضافة إلى مناسك الحج، وجميعها باللغة العربية، وأما توضيح المسائل، فقد صدرت باللغة الفارسية، وقد تم طبع الرسالة العملية بعد وفاة المرجع الراحل الإمام السيد الخوئي «قده» وذلك للعهد الذي قطعه سماحة السيد الروحاني على نفسه مع الإمام السيد الخوئي، بأن لا ينشر رسالته العملية في حياة السيد الخوئي «قده».
أنجال السيد الروحاني:
سماحة السيد علي - 31 سنة - وسماحة السيد حسن - 31 سنة - وهما يواصلان دراستهما العالية في البحث الخارج بين يدي سماحة السيد الروحاني نفسه.
وكلاء السيد الروحاني:
المملكة العربية السعودية:
العلامة الحجة الشيخ عبدالحميد الخطي.
العلامة الشيخ حسين العمران.
العلامة الشيخ عبدالله الخنيزي.
العلامة السيد علي ناصر.
الكويت:
العلامة السيد جواد آل علي.
العلامة السيد أبو القاسم الديباجي.
الوجيه السيد تقي البهبهاني.
قطر:
الوجيه الحاج حيدر سليمان.
الإمارات العربية:
العلامة الحجة السيد عبدالزهراء الخطيب.
سوريا:
العلامة الحجة السيد علي مكي.
البحرين:
العلامة الشيخ مكي الساعي.
لبنان:
العلامة الشيخ موسى شرارة.
العلامة الشيخ عبدالأمير قبلان.
العلامة الشيخ الكوثراني.
العلامة الحجة الشيخ محمد حسن القبيسي.
باكستان:
العلامة الشيخ مدبر.
العلامة الشيخ نوررزخان.
العلامة الشيخ سلطاني.
أفغانستان:
العلامة الشيخ غلام سرور جبريل.
العلامة السيد أمير موسوي.
مسقط:
العلامة الشيخ محمد رضا العجمي.
لندن:
العلامة الحجة السيد محمد بحر العلوم.
العلامة الحجة السيد فاضل الميلاني.
أمريكا:
العلامة الشيخ فاضل السهلاني.
كندا:
العلامة السيد نبيل عباس الموسوي العاملي.
تايلاند:
الشيخ نبيل شعباني.
متى ولماذا غادر السيد الروحاني مدينة النجف الأشرف، مخيراً أم مجبراً؟
غادر سماحة السيد الروحاني مدينة النجف الأشرف عام 1976 م وكانت مغادرته إخراجاً قسرياً من قبل السلطة العراقية البعثية.
موقف آية الله المرجع الديني السيد محمد الروحاني من الانتفاضة الشعبانية لعام 1990م.
أجاب سماحته عند سؤاله عن موقفه قائلاً: هو ذاته الموقف من أية حركة إسلامية، ولا يخفى أن كل حركة فردية كانت أو جماعية إن أُريد لها أن تكون مقربة إلى الله تعالى وكاسبة لرضاه ورضى أوليائه المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين» لابد وأن تتقيد بشرطين أساسيين:
أولهما: أن تكون مطابقة للقواعد والأحكام الشرعية طبق ما أثر عن أئمة أهل البيت في مسيرتها، هادفة إلى إحياء أمرهم في العقيدة الشريفة إما باجتهاد مُجزٍ أو بتقليد مفرغ للذمة.
ثانيهما: أن تكون القيادة في الحركات الجماعية سليمة رشيدة حكيمة تتقيد بالضوابط الشرعية ولا تتجاوز الأهداف الإلهية.
مساهمة سماحته بالانتفاضة العراقية:
أجاب سماحته عندما طرحنا هذا السؤال عليه قائلاً: أما المساهمة في هذه الانتفاضة فقد تمت من خلال احتضان العوائل النازحة والمنكوبة، ومساعدتها وتقديم ما أمكن من المعونة العينية والمعنوية لهم، في حدود الإمكانية المتوفرة. [1]