السيرة الذاتية
لسماحة الإمام الروحاني
(قدس سره الشريف )
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين .
نسبه
هو السيد محمد ، نجل آية الله المقدس السيد محمود ، ابن المرجع الديني الكبير السيد محمد صادق الحسيني الروحاني القمي .
أسرته
ينحدر المرجع الراحل من أسرة علمية عريقة مشهورة بالعلم والتقوى ، برزَ منها جده لأبيه سماحة آية الله المقدّس ، المرجع الديني ، السيد صادق الروحاني القمي ( طاب مثواه ) ، فكان الشجرة المباركة لهذه الأسرة الشريفة ، حيث بارك الله فيه وفي ذريته ، فلم تخلُ أسرته من عالم مجتهد منذ زمانه إلى يوم الناس هذا ، وهذا ما يفرض علينا أن نلقي بالضوء عليه وعلى أعلام أسرته المباركة .
فنقول : وُلد ( طاب ثراه ) في قم المقدسة سنة 1255 هـ ، ولما اشتد ساعده حّثه أبوه ( الميرزا زين العابدين ) على طلب العلوم الدينية ، فدرس شطراً الدروس الحوزوية المتعارفة في قم المقدسة ، ثم هاجر منها إلى أصفهان – بمعيّة صديقه سماحة آية الله ، الشيخ غلام رضا القمي ( طاب ثراه ) – سنة 1273 هـ ، وبقي فيها إلى سنة 1275 هـ ، وقرأ فيها عند عدة من أعلامها .
ثم هاجر منها إلى طهران لأجل دراسة الحكمة والفلسفة ، فحضر عند الفيلسوف المعروف الأغا علي المدرس الزنوزي التبريزي ، ولازمه لمدة أربع سنوات .
وفي سنة 1279 هـ تقريباً – وبمعية زميله المتقدم – هاجر إلى النجف الأشرف ، وتشرف بالحضور لدى خاتم الفقهاء والمجتهدين الشيخ الأعظم الأنصاري ( طاب ثراه ) ، وبعد أن توفي الشيخ الأعظم سنة 1281 هـ لازم دروس العلمين العظيمين : الميرزا محمد حسن الشيرازي ، والميرزا حبيب الله الرشتي ( طاب مثواهما ) حتى حاز على ملكة الاجتهاد والاستنباط .
ثم بعد سبعة عشر سنة قضاها في النجف الأشرف قرر أن يهاجر إلى سامراء ليحضر دروس الميرزا الشيرازي ( طاب ثراه ) بعد أن انتقل إليها ، وبقي فيها لمدة سنتين ملازماً الحضور في أبحاثه الشريفة ، ثم غادرها راجعاً إلى قم المقدسة سنة 1298 هـ .
وكانت الزعامة آنذاك في قم المقدسة لآية الله السيد جواد القمي ( طاب ثراه ) ، فلما وردها السيد صادق الروحاني جرت بينهما مباحثات علمية معمقة ، وعلى إثرها أوصى السيد جواد برجوع الناس إليه ، كما أوصى بأن يتولى الصلاة على جنازته .
واتفق في أثناء إقامته في قم المقدسة ورودُ آية الله المحقق السيد علي القزويني ( طاب ثراه ) – صاحب الحاشية المعروفة على القوانين – إليها ، وجرت بينه وبين السيد الصادق مباحثات عديدة ، ورغم أنّ مطالب السيد القزويني كانت مطالب عالية ومتميزة إلا أنّ القوة كانت من نصيب السيد الروحاني ؛ لتسلطه على مطالب الشيخ الأعظم وتمكنه منها ، والجديد بالذكر أنه كان يشترك في بعض تلك الجلسات الشيخ غلام رضا القمي ( طاب ثراه ) ، ولما سئل السيد القزويني ( قده ) عن الأقوى منهما ؟ كان يرجِّح السيد الروحاني على الآغا القمي .
وكيف كان ، فقد آلت إليه زعامة قم بعد رحيل السيد جواد القمي ، وصار يرجع إليه الناس في المرافعات وفصل الخصومات ، وسائر شؤونهم الدينية والاجتماعية .
وتصدى إلى جانب ذلك للتدريس وتربية الطلاب ، فتخرج من درسه الشريف مجموعة من الأعلام ، كالشيخ حسن الفاضل ، والشيخ محمد الكبير القمي ، والآخوند الملا علي أكبر القمي ، والشيخ أبو القاسم الصغير ، والسيد فخر الدين السيدي ، والسيد أبو القاسم المرتضوي ، وغيرهم .
وكان منذ أيام تواجده في النجف الأشرف – إلى جانب مقامه العلمي الرفيع – من المعروفين بالقداسة والورع والتقوى والصلاح ، بل كان متواتراً عند أهل قم تشرفه بلقاء صاحب العصر والزمان ( أرواحُ العالمين فداه ) .
وبعد عمر عامر بالعلم والطاعة ، قضاه في خدمة الدين الحنيف والشريعة الغراء ، أجاب داعي ربه في يوم الخميس الرابع من ربيع الأول سنة 1338 هـ ، فأبنه تلميذه العالم الجليل الشيخ حسن الفاضل ( طاب ثراه ) تأبيناً ينمُّ عن حجم المصيبة ، حيث قال : ( قد ارتحل عن دارٍ يرتحل عنها كلُّ مَن فيها ، وينتقل عنها لا محالة ساكنها وثاويها ، ويصير إلى الفناء باديها وخافيها ، مَن كان للأرامل واليتامى أباً رحيماً ، وللفقراء والمساكين زعيماً عظيماً ووليّاً حميماً ، وللملهوفين ملجئاً وملاذاً ، وللمظلومين مفزعاً ومعاذاً ، ربى في حجر العلم والأدب منذ قُطعت سرته ، ونشأ في بيت الفضل والشرف والحسب مذ عُجنت طينته ، حتى إذا صار علم الأعلام ووحيد الأيام وقوام الإسلام ، وملأ الأصقاع صيته وصوته ، وظلَّ معتكف الأنام بيته ، وأضاءَ للعالمين زيته ، عانده الدهر الخؤون ، وأغار عليه جيش المنون ، فاختطفته جارحة الحِمام ، واختلسته يد الاصطلام ، فصاحت الملّة وصرخ الإسلام هاتفاً يا أسفاه على سيد السادات ومنبع السعادات ، وجرثومة العلم وينبوع الحلم ، ويا لهفاه على فخر العلماء الراسخين ، وذخر الفقهاء الشامخين ، وحجة الإسلام والمسلمين ، وبقية آل طه ويس ، كشّاف الحقائق ، سيدنا ومولانا الحاج السيد صادق ، وقائلاً تارةً لتاريخ هذا الخطب الجسيم والرزء العظيم : " بدا بعده في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء " وأخرى : " قد ذهبَ نور الدجى واندك طود العلى " ، وباللسان الدائر والمنطق السائر فقد صادفت هذه البليّة العظمى والداهية الكبرى عشية الخميس رابع شهر الربيع الأول من شهور سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية ) .
وقد خلّف هذا العالم الجليل وراءه – من زوجته التي اقترن بها في النجف الأشرف ، وهي ابنة عم المجتهد الكبير السيد محسن الأمين العاملي ( طاب ثراه ) – خمسة من الأولاد العلماء ، وهم :
1 – سماحة آية الله ، السيد محمود الروحاني ، المولود سنة 1307 هـ ، وقد نشأ تحت رعاية والده المقدس ، فحضر لدى أجلاء تلامذته ، وأخذ عندهم معارف العلوم ، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف ، وحضر دروس المرجعين العظيمين : السيد أبو الحسن الأصفهاني والميرزا النائيني ( طاب ثراه ) ، كما أنه استقر مدة من الزمان في مشهد المقدسة فلازم فيها درس آية العلم والتقوى السيد حسين القمي ( طاب ثراه ) ، إلى أن آب إلى موطنه الأم ، فالتحق بدروس زعيمها المحقق الشيخ عبد الكريم الحائري ( طاب ثراه ) فقهاً وأصولاً، حتى صار من خواص تلامذته ، وأحد معاضديه على بَلْوَرَةِ الحوزة العلمية وتنشيطها ، وعُدَّ من كبار مدرسيها وأساتذتها .
ولأجل وجاهته وجلالة شأنه فإنَّ سيد الطائفة ومرجعها السيد الخوئي ( قده ) في سفره إلى قم المقدسة قد حلَّ ضيفاً عنده ، وهذا ما أوجب أن يكرمه أعاظم علماء مدينة قم المقدسة – ومن جملتهم السيد البروجردي ( قدس الله أسرارهم ) – إكراماً بالغاً وكبيراً ، وقد توفي هذا العالم الجليل في اليوم الثامن عشر من شهر شعبان سنة 1381 هـ ، ، وينقل أن السيد الخوئي ( قدس سره ) قد عطل بحثه الشريف ثلاثة أيام حداداً عند وفاته ، وقد خلف هذا العالم الجليل ثلاثة من الأولاد : أحدهم المرجع العظيم الراحل : السيد محمد ( طاب ثراه ) صاحب الترجمة ، والآخر المرجع الديني الكبير ، سماحة آية الله العظمى ، السيد محمد صادق ( دام ظله ) ، والثالث المرحوم الدكتور السيد مهدي .
2 – سماحة آية الله ، الميرزا أبو الحسن الروحاني ، المولود سنة 1309 هـ ، وقد كانت بدايات مشواره العلمي في النجف الأشرف لدى الفقيه الكبير السيد أبي الحسن الأصفهاني ( طاب مثواه ) ، ثم استقر في قم المقدسة ملازماً درس آية الله العظمى ، الشيخ عبد الكريم الحائري ( طاب ثراه ) حتى أجازه بالاجتهاد والفقاهة ، وبقي فيها قائماً بواجباته الدينية والاجتماعية حتى هاج به الحنين إلى النجف الأشرف ، فعاد إليها وتوفي فيها في السادس من شهر ذي القعدة سنة 1382 هـ ، مخلفاً وراءه ولديه العالمين : سماحة آية الله السيد مهدي الروحاني ( طاب ثراه ) صاحب الكتاب الرائع ( بحوث مع أهل السنة والسلفية ) وغيره من المؤلفات القيمة ، وسماحة العلامة الحجة السيد هادي الروحاني ( طاب ثراه ) صاحب كتاب ( فقه الاجتهاد والتقليد ) تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى ، السيد محمد صادق الروحاني ( دام ظله ) .
3 – سماحة الآغا السيد ميرزا فخر الدين الروحاني ( رحمه الله ) ، وقد تُوفي في عنفوان شبابه ، وأوج فضله وكماله ، في العاشر من شهر شوال سنة 1349 هـ .
4 – سماحة آية الله ، الحاج الميرزا أبو القاسم الروحاني ، المولود سنة 1316 هـ في قم المقدسة ، وفيها بدأ مسيرته العلمية ، وأخذ المقدمات والسطوح ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف ولازم دروس المحققين العراقي والنائيني والسيد الأصفهاني ( قدّست أسرارهم ) حتى حاز على مرتبة الاجتهاد ، ثم رجع إلى قم المقدسة ، والتزم بصلاة الجماعة في أقدم مساجدها ( مسجد الإمام الحسن العسكري عليه السلام ) ، وقام بوظائفه الدينية والاجتماعية حتى لقي ربه في 27 من شهر رمضان سنة 1384 هـ ، مخلفاً مجموعة من أهل العلم والفضل ، منهم : المرحوم السيد فضل الله ، والعلامة السيد محمد علي ، وسماحة العلامة الحجة السيد مهدي – صهر المرجع الديني الراحل السيد محمد الروحاني ( طاب ثراه ) – وهو من أفاضل العلماء والمدرسين .
5 – سماحة العلامة الحجة ، السيد أحمد الروحاني ، المولود سنة 1322 هـ ، وقد تلقى دروسه الحوزوية لدى أعلام حوزة قم : السيد محمد تقي الخونساري ، والسيد علي اليثربي ، والشيخ حسن الفاضل ( قدهم ) ثم لازم أبحاث المؤسس الحائري ( طاب ثراه ) ، وبعدها هاجر إلى النجف الأشرف وحضر لدى الميرزا النائيني والشيخ أبي الحسن المشكيني والسيد أبي الحسن الأصفهاني ( قدهم ) ، كما مكث مدة في كربلاء ولازم دروس الفقيه الكبير السيد حسين القمي ( طاب مثواه ) .
وكانت لهذا السيد الجليل اهتمامات بالغة بمسألة تبليغ الدين ، فهاجر إلى الهند مدة من الزمان ، كما وقف إلى جانب أستاذه السيد القمي في مواجهة قرار حكومة الشاه بنزع الحجاب ، وفي سنة 1374 هـ استقر في طهران بإصرار من علمائها ومتدينيها ، وصار إمام الجماعة في مسجد بني هاشمي ، حتى توفي في الثاني من شهر صفر سنة 1384 هـ تاركاً وراءه عدة من المؤلفات ، منها : كفاية النحو ، وسر السعادة ، وتسلية المريض ، وغيرها .
مولده ونشأته
وُلدَ المرجع الديني الراحل ( طابَ ثراه ) في مدينة قم المقدسة سنة 1338 للهجرة ، من عائلة علمية متميزة ومعروفة على صعيد الزعامة الشيعية ، كما مرّ عليك ، فكان من الطبيعي لوليد هذه الأسرة العلمية العلوية النجيبة أن يسلك به والده ( قده ) طريق طلب العلم ، خصوصاً وأنه كان متصفاً بالنبوغ منذ نعومة أظفاره ، فدرس المقدمات وقسماً من السطح على يد كبار المدرسين في قم المقدسة[1] ، ومنهم : المرجع الديني الكبير السيد المرعشي النجفي ( قده ) ، حيث حضر عنده قسماً من شرح اللمعة ، والحجة الشيخ جعفر الصبوري القمي ( طاب ثراه ) ، حيث حضر عنده بعض دروس المقدمات ، وكان ( قده ) في حضوره دائم الاشتغال كثير المطالعة ، يتقن فهم عبارات متون الكتب الدراسية وغيرها[2] ، مع مطالبها ومباحثها العلمية ، حتى أُعجبَ به أساتذته وتوقعوا له المستقبل المشرق .
مراحل دراسته
في حدود سنة 1355 للهجرة هاجر المرجع الراحل مع أسرته الكريمة - بمعية الفقيه المقدس السيد حسين القمي طاب ثراه وأسرنه - إلى العراق ، واستقر في باديء الأمر في كربلاء المقدسة ، فدرس فيها ما بقي من السطح العالي على يد المرجعين الكبيرين السيد هادي الميلاني ، والسيد الخوئي (قدهما) ، حيث كان الأخير مهاجراً إلى كربلاء حينها .
وعندما أنهى بحوث السطح أراد الانتقال إلى النجف الأشرف لإكمال دراسة الفقه والأصول خارجاً ، فاستخار الله تعالى عند أحد العلماء المقدسين في كربلاء على ذلك ، فقال له ذلك العالم : " إذا أردت أن تكون مجتهداً فاعمل بهذه الخيرة " وبالفعل توجه سماحته إلى النجف الأشرف ، وحضر أبحاث عظماء محققي الشيعة وكبار حماة الشريعة ، وهم : الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي ، والشيخ محمد رضا آل ياسين ، والشيخ محمد كاظم الشيرازي ( قدهم ) ، وكان أساتذته يولونه عناية خاصة لما وجدوه فيه من النبوغ الفكري والنضوج العلمي المتميز ، حتى أن الشيخ المحقق الأصفهاني ( قده ) أعاد الدرس لأجله ، نتيجة تغيبه في أحد أيام التحصيل ، مع أن المعروف عن المحقق الأصفهاني أنه لم يكن يعيد كلامه فضلاً عن أن يعيد درساً كاملاً لأجل تلميذ واحد من تلامذته ، وبعد مرور ثلاث سنوات أصيب أستاذه الأصفهاني بالمرض ، فكثرت أيام العطل في بحثه الشريف مما أدى ذلك إلى حزن سماحته على أستاذه وبحثه الروّي ، لأنه كان يجد في ذلك الدرس الغذاء الفكري الذي يمده بالحياة ، وبعدما وافته المنية وانتقل إلى بارئه ( رضوان الله عليه ) حضر درس المرحوم المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد علي الكاظمي صاحب التقريرات[3] ، وكان درسه قطباً من أقطاب الدراسة في النجف آنذاك ، وبعد ذلك طلب من سماحة المغفور له آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ( قده ) أن يبدأ معه بحثاً خارجاً ، وبالفعل استجاب سماحته ( قده ) لذلك ، وبدأت مسيرة التلمذة في الأبحاث العالية بين السيد الروحاني ( قده ) والسيد الخوئي ( قدس سره ) ، فكانت هذه الانطلاقة هي البادرة الجدية لسماحته مع السيد الخوئي ( قده ) لصقل ملكته الاجتهادية[4].
واستمرت العلاقة الدراسية زهاء سبع سنوات تقريباً ، ولم يكن يشاركهما في أكثرها إلا قلة من الأفذاذ ، أمثال آية الله العظمى السيد علي البهشتي ( قدس سره ) ، والمغفور له آية الله الشيخ سلمان الخاقاني ( قده ) ، والمغفور له آية الله الشيخ يوسف نجل المحقق الأيرواني ( قده )[5].
وكان سماحته دائم الإيراد وكثير الإشكال على أساتذته ، حتى انزعج في بعض الدروس أحد زملائه ، لأنه قضى أكثر الوقت المحدد للدرس في الأخذ والرد مع السيد الخوئي ( قده ) ، فاتفقوا أن يعملوا تصويتاً يقضي بأن تكون إشكالات السيد الروحاني بعد الدرس ، فكان جواب الشيخ يوسف الأيرواني ( قده ) : بالنسبة لي لا يهمني أن يكون الإشكال بعد الدرس أو في أثنائه ، لأني أستفيد من إيراداته ونقاشه ، واستعين بذلك على معرفة آراء والدي في حاشيته على الكفاية ، هل هي في محلها أم لا ؟[6].
تفوقه العلمي
وفي غضون هذه المدة التي قضاها سماحة السيد مع أساتذته المذكورين " قدس الله أسرارهم " كان يقوم بتدريس السطح العالي ، فكان فارس حلبة التدريس ، وكان المراجع والفضلاء الكبار يختارونه لتدريس أبنائهم منذ ذلك الوقت ، لما لمسوه منه من الدقة والبيان والسيطرة على الـمادة العلمية[7].
وينقل العلامة الحجة السيد محمد علي الميلاني "رحمه الله ": أن والده المرحوم المرجع الكبير السيد الميلاني ( قدس سره ) كان يشيد بعلم السيد الروحاني وذكائه وفضله ، وهو بعدُ لم يتجاوز العشرين من عمره ، وذلك بتصريحه مراراً : بأنه خبير بآراء الشيخ الأعظم ( قدس سره )[8].
ومن المعروف في الحوزة أن هذه الكلمة وأمثالها لا تقال إلا لمن وصل للمراتب العليا من الكمال والفضل العلمي .
وهكذا تابع سماحته مسيرته العلمية حتى شهد بملكته الاجتهادية ومقدرته العلمية العالية أكابر علماء الحوزة آنذاك ، فلم ينهِ عقده الثالث من عمره الشريف إلا وهو علم من أعلام الحوزة ، ومدرس معروف موصوف بالدقة والتحقيق الفائق .
ونقل بعض المطلعين : أن سماحته لما عاد إلى قم المقدسة ؛ لزيارة أهله بعد ذهابه إلى العراق ، جاءَ لزيارته أحد كبار شخصيات قم العلمية[9] ، وهو من أقربائه ، فأراد اختبار مقدار حصيلته العلمية فقال له : يا سيد محمد ! ما رأيك في أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر ؟[10] .
فقال ( قده ) : إني أستطيع في آن واحد إثبات استحالة ذلك ، وإثبات إمكانه ، وذلك بالبرهان والدليل العلمي .
وانبرى في الاستدلال على كلا الشقين بشكل أبهر السائل ، فخرج من ذلك المجلس وهو يقول : لقد أقر عيوننا السيد محمد[11].
والكلمة المشهورة للمغفور له السيد الخوئي ( قدس سره ) أكبر شاهد : " عين السوء بعيدة عنه ، فهم السيد الروحاني أقوى فهم "[12].
ولقد كان من المتوقع لمثل هذه القدرات العالية أن تبرز وبشكل سريع ، إذ بعد مرور فترة وجيزة التف حوله جماعة من فضلاء وطلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، وطلبوا منه تدريس بحث الخارج فقهاً وأصولاً . وبعد إصرار شديد منهم بدأ بتدريسه لهم ، وعمره آنذاك لم يتجاوز الثلاثين سنة ، وهذا لم يكن متعارفاً في النجف الأشرف في ذلك الوقت ، مما لفت انتباه الحوزة العلمية بما فيها المدرسين والعلماء والأكابر من المحققين العظماء .
شخصيته العلمية
المعروف عن سماحته ( قده ) أنه وهب نفسه للعلم والبحث بشكل كلي لا تراجع فيه ، فلم يكن فكره مشغولاً إلا بالمسائل والبحوث العلمية الكفيلة بخدمة الدين وتخريج العلماء المجتهدين ، فكان لا يجلس في مجلس إلا وأداره بالبحث العلمي ، ولم يكن يسير في طريق إلا ووجدت من يشاركه البحث من الفضلاء الذين يستفيدون من تحقيقاته ، وإذا خلد للراحة تراه يعمل فكره في مسألة جديدة أو بحث من الأبحاث ، فلم يكن سماحته ليترك البحث العلمي حتى في أسوء الظروف الحياتية .
يقول آية الله الحجة الشيخ محمد رضا الجعفري ( طاب ثراه ) : كنت أساير الأستاذ ( قده ) لسنوات عدة من النجف إلى الكوفة مشياً على الأقدام ، ونشتغل خلالها بالمناقشة العلمية ، وكان لمقدمات كتاب ( تنقيح المقال في علم الرجال ) للعلامة المامقاني ( قده ) الحظ الوافر من البحث .
ويتمتع ( قده ) إلى جنب ذلك باستحضار وحفظ وفهم المطالب العلمية والمتون الدراسية ، حتى كتب النحو والصرف والعلوم الأولية ، بحيث لا يحتاج إلى فتح كتاب عندما يطلب منه إيضاح بحث من البحوث العلمية في كتب الدراسة .
ومن هنا نجد الكثير من العلماء والفضلاء ، وإن أحسوا في أنفسهم أنهم حازوا مقداراً وافراً من العلم ، إلا أنهم إذا ما قارنوا أنفسهم بهذا الطود العالي والجبل الشامخ ، أو جلسوا أمامه ، نراهم يصغرون حين يكتشفون الفرق العلمي الشاسع بينهم وبينه ، فيذعنون بذلك ويقرون له بالفضل والتفوق .
بحثه الشريف
لقد اشتهر بحثه الشريف بالدقة الفائقة والتجديد العلمي ، على الصعيدين الفقهي والأصولي ، وكان مجلس درسه معترك النظريات والآراء العلمية في شتى المجالات ، فكان سماحته يتناول المسألة العلمية من جميع أطرافها ، فإنها إذا لم تكن مبرهنة أو كان مستندها ضعيفاً أقام عليها الدليل والبرهان بشكل يزيل عنها الشك والريب ، أو يقوم بهدمها ونقض ما أقامه غيره من الأدلة والبراهين ، بحيث لا يمكن معه إلا القطع والإذعان بالبطلان .
وديدنه في الفقه متميز ، لأنه لا يترك الرواية بمجرد كونها ضعيفة أو مرسلة ، بل أول ما يقوم به فيها بحثه عن دلالة المتن ، ويقول لطلابه : إن ردَّ الخبر لمجرد كونه ضعيفاً يعتبر عجزاً فقهياً ، ولذلك يعاب على الفقيه عندما يبدأ في مناقشة الحديث أن يقول في بادئ الأمر : الرواية ضعيفة .. ويكتفي .
فكان سماحته لا يستعرض النظرية العلمية بشكل أو بآخر حتى يخوض في أعماقها ، ويقف على نكاتها وخفاياها ، ويأخذ بيد الطالب إلى مزاياها وملابساتها ، فلم يكن من الســهل على أي طالب في الحوزة العلمية حضور بحثه ومسايرة الإبداع العلمي والعمق الفكري لسيدنا المعظم ( قده ) ، ومن هنا كانت دورة بحثه الشريف تستغرق ثلاثة عشر عاماً ، بينما كان بحث غيره من الأعلام يستغرق ست أو سبع سنوات فقط .
ولأجل ذلك لم يكن يحضر ويستفيد من بحثه الشريف إلا النخبة من الفضلاء في الحوزة ، حتى سمي بحثه بحث العباقرة والنوابغ ، فكان الطالب المتميز بين طلاب العلوم الدينية يحضر الدروس الدينية العامة ، كأبحاث المغفور لهما السيد الحكيم والسيد الخوئي ( قدس الله سريهما ) ويحضر إلى جنب ذلك بحث السيد الروحاني ، كبحث تحقيق وتدقيق وصقل لمواهبه وقدراته .
وقد عُرف سماحته بالدقة الفائقة أيضاً في تطبيق القواعد الأصولية على مواردها في الفقه ، وهي ما تسمى بالفقاهة ، ولعلَّ هذا قد انعكس على طبيعة بحثه الشريف ومنهجيته ، فهو وإن كان وما زال عملاق الفكر وفريد الحلبة الأصولية ، إلا أنه في جانب ذلك هو الفرد في علم الفقه أيضاً ، فقد قال سماحته في بداية دورته الأخيرة : " إنه يدرس الأصول بالمقدار الذي يكون الفقه في حاجة له ، فيحذف الزوائد أو يختصرها ولا يسهب فيها ، لئلا تضيع السنون والأعمار فيما لا مسيس له بالفقه " ، وهو واضح أيضاً لمن تأمل في تقريرات بـحثه الشريف[13].
رجوعه إلى ( قم ) المقدسة
انتقل سماحته إلى قم المقدسة في حدود سنة 1397هـ ، وذلك إثر التسفير العراقي له ولكثير من العلماء في الحوزة قهراً ، مخلفاً وراءه الحزن العميق للمغفور له السيد الخوئي (قده) والحوزة العلمية في النجف الأشرف ؛ لفقدها عماداً وركناً يكاد يكون الفرد في حلباتها .
وما إن استقر به المقام في قم المقدسة ، حتى انتشر خبر قدومه في داخل قم وخارجها ، لأنه كان معروفاً وذائع الصيت في الأوساط العلمية ، فبدأ بحث الخارج فقهاً وأصولاً بدورة جديدة ، فحضرت دروسه وأبحاثه الجموع الغفيرة من الفضلاء والطلاب ، فكان نعم المربي لهم .
وهكذا بقي ( طيب الله ثراه ) إلى آخر أيام عمره الشريف المبارك مشتغلاً بالتدريس وتخريج العلماء والمحققين ، لا يشغله عن ذلك أي شاغل ، وكان يحضر تحت منبره الشريف المئات من فضلاء الحوزة العلمية في قم المقدسة .
أخلاقه وسجاياه
ليس من السهل الكتابة عن أخلاق هذا الطود الشامخ ؛ لأن بشاشته وتواضعه الجّم وهيبته العظيمة ، كل ذلك ينطبع على بصر المقبل عليه من أول وهلة يقابله فيها ، وما إن يجلس معه حتى يبدأه بالترحيب والتكريم وربما قابله بأكثر من ذلك .
وكل من كتب عنه أو ترجم له وصفه بالخلق الرفيع المتميز ، والتواضع ولطف المعشر وحسن المجالسة وعذوبة الابتسامة ، فهو يجسد أخلاق أهل البيت ( عليهم السلام ) بأعلى مصاديقها .
وتراه أيضاً يولي جميع الناس حباً عميقاً حتى من أساء إليه ، ولم يسمع منه غير الاستغفار لمن ظلمه والدعاء له بالهداية والتوفيق للسير على النهج القويم ، كما هي سيرة العظماء من علمائنا الأعلام ، متجاوزاً بذلك كل طرق الغضب والحقد والانتقام ، ومرتقياً بنفسه إلى أعلى مراتب الكمال ، سائراً على نهج العارفين بخطى أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين .
ناهيك عن اعتنائه الخاص بالعلماء وطلبة العلوم الدينية ، فهو يرعاهم كأب حنون ، ويشفق عليهم ، ولا يتأخر عن مساعدتهم ومعونتهم بمقدار ما يستطيع ، ويحضنهم في العلم والدرس والبحث ، ويجمعهم بين الحين والآخر في مناسبة لذكرى عطرة من ذكريات أهل البيت ( عليهم السلام ) أو على مجلس نقاش علمي ؛ لكي لا يتفرقوا ، بل يبقون مثابرين متفقين على السير نحو البلوغ للغاية القصوى من خدمة الدين والطائفة .
والشواهد على ذلك كثيرة ، ومنها : ما ذكره سماحة آية الله الشيخ محمد صادق الجعفري ( قدس الله نفسه الزكية ) ، حيث نقل حادثة حصلت له مع السيد الروحاني ( قده ) ، فقال : كنت أدرس في السطح العالي – في كتاب المكاسب – وكان أخي الشيخ محمد رضا يدرس عند السيد خارجاً ، وفي يوم من الأيام جمعنا مجلس من مجالس النجف الأشرف العامرة ، فسألني سماحته : ماذا تدرس ؟
فقلت : كتاب المكاسب ، في البحث الكذائي .
فطرح مسألة في البحث وسألني عن رأيي فيها ، واستمر النقاش قرابة نصف ساعة ، وفي الأخير أخرج السيد ساعته الجيبية وأعطاني إياها ، تشجيعاً منه على مواصلة البحث والنزال العلمي ، مع علمي بحاجته إلى الساعة ، إذ ليس عنده ساعة أخرى ، لما هو معروف في ذلك الزمان من الفقر الشديد المحيط بالناس والحوزة .
ومثل هذه الحوادث تتكرر على سماحته ، ويقابلها بنفس الروح الكريمة التي كانت تعيش الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين .
تلامذته
لقد كان لمكانة السيد المعظم ( قدس الله نفسه ) العلمية وبيانه الساحر الأثر البارز في ولع الطلاب والفضلاء بالحضور في بحثه الشريف ، حتى أن الحاضر منهم لأبحاث الآخرين يجد الفرق واضحاً خصوصاً في بيان السيد الروحاني ، حيث جمع بين الدقة والعمق والسلاسة في آن واحد ، فإذا أراد غيره من كبار المدرسين بيان نظرية دقيقة للشيخ الأصفهاني ( قدس سره ) مثلاً ربما يستغرق وقت الدرس كله ، وفي بعض الأحيان ربما استغرق بيان النظرية دروساً عدة ، ولكنّ السيد ( طابت نفسه ) يبين نفس النظرية في دقائق معدودة ، ومن غير إسهاب ممل ولا اختصار مخّل .
وقد تتلمذ على سماحته ( أعلى الله مقامه ) في البحث الخارج فقهاً وأصولاً جمعٌ غفير من العلماء ، يُعد الكثير منهم من مفاخر الشيعة وكبار علماء الشريعة ، نذكر منهم على سبيل المثال :
1- سماحة الشهيد السعيد ، السيد محمد باقر الصدر ( قده ) ، وقد لازم بحث سماحتهِ خارجاً ابتداءً من سنة 1367 هجرية ، حيث درس عنده شطراً من كفاية الأصول للمحقق الخراساني ، ثم حضر عنده الخارج فقهاً وأصولاً في أول دورة له ( قدس الله سره ) إلى أن استقلّ بالتدريس سنة 1386 هجرية[14].
ويعتبر سماحته صاحب اليد البيضاء التي أثمرت بروز الشهيد الصدر في المجال العلمي ، مما أدى إلى انعكاس ذلك على أبحاثه ونظرياته ، وهذا واضح لمن له أدنى خبرة بالآراء العلمية للطرفين .
وكان يحضر بحثه الشريف في كل يوم قبل الغروب بساعتين طيلة فترة دراسته ، ورويت حادثة لحضور السيد الصدر ( قده ) مجلس بحث السيد الخوئي ( قده ) ، وهي : أن آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين ( قدس سره ) – وهو خال الشهيد الصدر – قال للسيد الروحاني : إن السيد محمد باقر مستغنٍ عن الحضور في بحث آخر غير بحثكم ، ولكن كما ترون أن الطالب لا يمكنه أن يوجد نفسه إثباتاً ، ويقنع الطلاّب الآخرين ، إلا مع حضوره بحث السيد الخوئي ، وإن كان مستغنياً عنه ثبوتاً ، وهو يستمع قولكم ، ويمتثل أمركم ، فهلاّ طلبتم منه ذلك ؟ فكان حضور السيد الصدر بحث سماحة الإمام الخوئي استجابةً لطلب السيد الروحـاني .
وكانت علاقة السيد الصدر بأستاذه الروحاني وثيقة للغاية ومنعكسة على سلوكياته العملية تجاهه ، حتى إنه حين أهدى إلى سماحته ( قدس سره ) نسخة من أول كتاب أصولي له وهو (غاية الفكر) كتب في مستهل الإهداء : " إلى سيدي أستاذي ، ومن إليه استنادي ، ومصباحي إذا اظلم الدجى عليّ "[15]، كما حدث بذلك سماحة آية الله الشيخ محمد صادق الجعفري ( قده ) وعلق عليه بقوله : إنه لم يرَ اهداءً لأحد ، بمثل هذه العبارات التي تنم عن معانٍ لا تخفى على من تدبرها .
2- سماحة الشهيد السعيد ، السيد عبد الصاحب نجل الإمام الحكيم ( قدس سرهما ) ، المولود سنة 1360 هـ ، والمغيّب في سجون البعث سنة 1403 هـ ، وكان من الطاقات العلمية التي يقل نظيرها ، وقد حضر عند السيد الروحاني ( طاب ثراه ) مدة لا تقل عن عشرين سنة فقهاً وأصولاً ، ولازمه ملازمة الظل لذي الظل ، وكان يسجل جميع ما يستوعبه من دروس أستاذه ولطائف تحقيقاته على شكل تقريرات أصولية وفقهية ، لكي ينتفع بها الأساتذة والمدرسون في الحوزة العلمية ، وقد طبع بعضها مصدراً بتقريظ رائع بقلم السيد الروحاني ( قده ) أثنى فيه كثيراً على تلميذه ، وأوضح فيه وصوله إلى أعلى مراتب الاجتهاد ، حيث جاء في التقريظ : " وبعد فقد أجلتُ النظر ، وسرحتُ البصر ، فيما كتبه العلامة ، الحجة ، المحقق ، صفوة المجتهدين[16] ، الورع ، التقي ، الشهيد السعيد ، السيد عبدالصاحب الحكيم ، نور الله مثواه وجعل الجنة مستقره ومأواه ، فألفيته مستوعباً لما نقحناه ، جامعاً لكل ما بحثناه وحققناه ، محيطاً بدقائق البحث ونكاته ، حاوياً لأسراره وبنيانه ، ملماً بتقرير المباني وتحديدها ، موفقاً في تحرير ما جاء في تفنيدها أو تشييدها ، ولا بدع في ذلك ، فقد كان _ رحمه الله _ مناط الآمال ، ومعقد الرجاء ، بفضل ما منَّ الله عليه من ذكاء متوقد ، وعلم جَّم ، ومواهب نادرة ، بيد أنّ الأيدي الأثيمة اختطفته ولما يتحقق به الرجاء والأمل ، فحالت بذلك دون أن تؤتي هذه النبعة الطيبة أُكلها كل حين بإذن ربها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " .
ونظراً لمكانته العلمية الكبيرة فقد اختاره سيد الطائفة الخوئي ( قده ) ليكون مدرساً لولده الشهيد السيد محمد تقي الخوئي ( قده ) في مرحلة البحث العالي ، كما أنَّ السيد الروحاني كان يعتبره أفضل علماء أسرة السيد الحكيم ( قده ) على الإطلاق ، ويقدمه على الجميع .
3- سماحة الشيخ بشير النجفي " دام ظله " المقيم في النجف الأشرف ، وأحد مراجع التقليد فيها ، ومن أشهر مدرسيها وأساتذة بحوثها العالية ( زادها الله شرفاً وقداسة ) .
4- سماحة الشهيد السعيد ، السيد علاء الدين نجل الإمام المقدس السيد محسن الحكيم " قدسَ الله نفسيهما " ، المولود سنة 1365 هـ ، والمُغيّب في سجون البعث سنة 1403 هـ ، وكان من فضلاء حوزة النجف الأشرف وأحد أساتذتها .
5- سماحة السيد محي الدين الغريفي " قدس سره " ، المولود سنة 1350 هـ ، والمتوفى سنة 1412 هـ ، وكان من العلماء المحققين ، وأصحاب الباع الواسع ، سيما في علوم الرجال والحديث والدراية ، وأحد أعضاء مجلس استفتاء الإمام الخوئي " أعلى الله مقامه " ، وأحد معتمديه في الانتفاضة الشعبانية .
6- سماحة السيد علي مكي العاملي " دام ظله " ، وهو من العلماء الأعلام ، وأحد مقرري بحث السيد الروحاني " قدس سره " ، وكان إلى فترة قريبة هو الوجه الأول في دمشق ، والذي عليه المعّول في رعاية شؤون الطائفة الشيعية ، حتى اضطربت الأوضاع الأمنية في سوريا فغادرها إلى لبنان مشغولاً بالتأليف والتصنيف ، والكثير من مؤلفاته القيمة قد شقَّ طريقه إلى النور .
7- سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( قده ) الرئيس السابق للمجلس الشيعي الأعلى في لبنان ، وهو أشهرُ من أن يُعرف .
8- سماحة الشيخ محمد رضا الجعفري ( قده ) ، المولود سنة 1350 هـ ، والمتوفى 1431 هـ ، وكان رحمه الله على جانب كبير من التقوى والورع والصلاح ، وأحد أساتذة كليّة الفقه وجماعة العلماء ، وقد كان مبعوث المراجع العظام والحوزة العلمية في الحوارات المذهبية والدينية ، ومندوبهم في المؤتمرات الإسلامية ، وهو الذي دائماً ما كان يردد السيد الخوئي في حقه : " وددتُ لو أن كل طالب علم مثل الشيخ الجعفري في علمه ومعرفته واطلاعه " .
وكان صديقاً حميماً للشهيد الصدر ( قده ) ، وهو الذي أشار عليه بدخول أخته الشهيدة السيدة آمنة الصدر ( بنت الهدى ) - رحمها الله - في مجال التبليغ الديني النسائي ، وبمعونته ألفّ السيد الشهيد كتابه الشهير ( فلسفتنا ) .
كما كان له باع طويل في التحقيق والتأليف ، سيما في التاريخ والكلام ومسائل الإمامة ، وقد ترك ثروة علمية رائعة ، خرجَ إلى النور بعضها ولا زال بعضها قيد التحقيق .
9- سماحة الشيخ محمد صادق الجعفري ( طيب الله ثراه ) ، المولود في النجف الأشرف سنة 1354 هـ ، وقد حضر أبحاث الخارج على يد العلمين الكبيرين السيد الحكيم والسيد الخوئي ( قدس سرهما ) ، ولازم أبحاث السيد الروحاني ( قدس سره ) فقهاً وأصولاً ، واهتم بتقريرها ، وقد طُبع بعضها تحت عنوان ( المرتقى إلى الفقه الأرقى ) ، وكان إلى جانب ذلك من المدرسين المعروفين في النجف الأشرف على مستوى السطح العالي ، وقد تخرج من درسه مجموعة من الفضلاء أمثال الشيخ هادي آل راضي ( حفظه الله ) ، ولما اشتد جور البعثيين على حوزة النجف غادرها واستقر في طهران ، واستمر في ممارسة نشاطه العلمي والديني إلى أن توفي سنة 1419 هـ ، تاركاً وراءه ثروة كبيرة من المؤلفات والتقريرات .
وفي حقه قال أستاذه السيد الروحاني ( قده ) : " ولدي وقرة عيني ، صاحب الذوق السليم والذكاء الخارق والقريحة المتوقدة المستقيمة ، فضيلة العلامة ، المحقق ، الورع ، التقي ، حجة الإسلام والمسلمين ، الحاج الشيخ محمد صادق الجعفري - دامت إفاضاته - الذي كان عاكفاً على طلب العلم ، باذلاً في سبيله قصارى جهده ، مهتماً بضبطه وتحقيقه ومناقشته ، والذي بلغ بحمد الله بجده واجتهاده درجة عالية من العلم يُغبط عليها ، وأصبح ممن يشار إليه بالبنان " .[17]
10- سماحة السيد إبراهيم الحجازي الخراساني " قدس سره " ، رمز التقى والورع والزهد ، وُلد في طبس سنة 1304 هـ ش ، وبدأ مسيرته العلمية في مشهد المقدسة على يد المبرزين من أساتذتها ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف وحضر على يد السيد الخوئي والسيد الروحاني " قدس الله نفسيهما "، وبعدها عاد إلى مشهد فكان من كبار مدرسيها ، حتى توفاه الله تعالى سنة 1377 هـ ش ، وله عدة من المؤلفات ، من أشهرها وأهمها كتابه ( آيات العقائد ) .
11- الدكتور السيد جمال الدين الموسوي الإصفهاني ، الذي كان شريك البحث مع المغفور له السيد الشهيد الصدر ( قده ) عند سماحة السيد الروحاني ، ولشدة علاقتهما فقد عبّر عنه في إهدائه له بعض كتبه بـ ( الصديق العزيز العبقري ) ، كما أنَّ السيد الموسوي – من منطلق هذه العلاقة – قد قام بترجمة بعض كتب السيد الصدر إلى اللغة الفارسية .
12- سماحة السيد محمد جواد فضل الله ، المولود سنة 1357 هـ ، والمتوفى سنة 1395 هـ ، والذي كان – كما يقول الأميني في معجمه – ذكياً كيساً ، وقد تتلمذ على الشيخ حسين الحلي والسيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد الروحاني " قدس الله أسرارهم " ، وترك العديد من المؤلفات القيمة ، منها : صلح الإمام الحسن عليه السلام ، وحياة الإمام الرضا عليه السلام .
13- سماحة الشيخ عباس البيرجندي المعروف بـ ( الشیخ عباس نژاد ) "طيب الله ثراه" ، المولود سنة 1345 هـ ، والمتوفى سنة 1418 هـ ، وقد تلقى بدايات المعارف الحوزوية في حوزة بيرجند ، ثم هاجر منها إلى النجف الأشرف ، وحضر عند عدة من أعلامها ، ومنهم : السيدان العلمان الخوئي والروحاني ( طاب ثراهما ) ، وبعد أن ارتوى من فيض معارفهم هاجر إلى مشهد المقدسة واستقر فيها ، فكان من كبار علمائها ومبرزي أساتذتها ، وكان معتمداً في جلسات إفتاء مراجع التقليد فيها ، وقد اهتم بتقرير دروس أساتذته ، ومن جملة ما قرره دورتان في الأصول لأستاذه الروحاني في ستين دفتراً ، وطبعت له منها أخيراً رسالة حول قاعدة نفي الضرر تقريراً لأبحاث أستاذه ( قده ) .
14- سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي ( طاب ثراه ) ، وهو شخصية غنية عن التعريف بما لها من الأنشطة الاجتماعية والمؤلفات المفيدة .
15- سماحة الشيخ محمد حسن آل ياسين ( طاب ثراه ) ، صاحب المؤلفات الكثيرة والمفيدة المنتشرة في المكتبة الإسلامية .
16- سماحة السيد محمد الرجائي " دام ظله " ، المقيم اليوم في قم المقدسة ، وأحد علمائها وأساتذة البحث الخارج فيها ، وقد كان زميلاً للسيد الشهيد الصدر " قدس سره " في حضور بحث السيد الروحاني " أعلى الله مقامه " ، وله مؤلفات قيمة عديدة ، منها : منهاج الأصول في جزئين ، والمنهاج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم ، والمسائل الفقهية ، وغيرها .
17- سماحة السيد مهدي نجل آية الله السيد أبو القاسم الروحاني ، ابن عم السيد الروحاني وصهره ، وقد درس على يد السيد الخوئي ( طاب ثراه ) في النجف ولازم أبحاث عمه حتى نال المراتب العلمية العالية ، وصار من خواص تلامذته وأعضاء جلسة إفتائه ، إلى جانب كونه من المدرسين المعروفين بالبيان الرائق والدقة الممتازة ، وقد انتهى به المطاف في السنين الأخيرة في دولة الكويت ، ولا زال فيها يمارس تدريس البحث العالي ، ويؤدي وظائفه الدينية والاجتماعية .
18- سماحة الشيخ محمود الخليلي القزويني ( دام تأييده )، وهو من خيرة العلماء المعروفين بالذكاء والتتبع والتحقيق ، وعلى جانب كبير من التواضع والخلق وحسن المعشر ، وشخص مؤتمن على أمر الدين والدنيا ، وقد حضر أبحاث السيدين الخوئي والروحاني ( قدس الله نفسيهما ) ، ولازم الأخير منذ أن كان في النجف الأشرف إلى آخر حياته ، وكان موضع ثقته العلمية والعملية .
19- سماحة الشيخ محمد سند البحراني ( دام تأييده ) ، وهو اليوم أحد أبرز المدرسين في النجف الأشرف كما كان كذلك سابقاً في قم المقدسة ، وممن يشار لهم بالبنان ، ويتوقع له مستقبل علمي مشرق كبير في الحوزة العلمية ، وقد صدرت عنه مجموعة من المؤلفات العلمية القيمة ، ومنها : موسوعته ( سند العروة ) ، وكتاب الإمامة الإلهية ، والتوسل ، ودعوى السفارة ، وغيرها كثير .
20- سماحة الشيخ مسلم الداوري الأصفهاني ( دام تأييده ) ، وقد تلقى دروسه في حوزة النجف الأشرف وأخذ العلم عن كبار أساتذتها ، كالسيدين العلمين الخوئي والروحاني ( طا ثراهما ) ، ونظراً لشدة تضلعه في علم الرجال فقد انتخبه السيد الخوئي ليكون أحد أعضاء اللجنة التي أسسها لتأليف موسوعته الشهيرة ( معجم رجال الحديث ) ، وكان أحد مقربيه ، ولما اضطرته الظروف للخروج منها هاجر إلى قم المقدسة ، وأقام فيها ، وهو اليوم أحد فضلاء أساتذتها ومدرسيها على مستوى البحث الخارج فقهاً وأصولاً ورجالاً ، كما أنَّ له العديد من المؤلفات المطبوعة ، ومن أهمها : أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق .
21- سماحة السيد محمد جواد العلوي البروجردي ، سبط المرجع الديني الأعلى السيد البروجردي ( طاب ثراه ) ، وهو اليوم أحد مدرسي البحث الخارج في حوزة قم المقدسة ، وتمتاز شخصيته باللباقة والتواضع الجم والخلق الرفيع والخبرة الاجتماعية .
22- سماحة الشيخ محمد رضا ، نجل سماحة آية الله الشيخ محي الدين المامقاني ( طاب ثراه ) ، هو اليوم أحد الفضلاء المعروفين في قم المقدسة ، والمؤلفين البارعين ، وكان أحد المقربين من أستاذه الراحل ومن معتمديه في مرجعيته ؛ لما يمتاز به من فضلٍ وحنكة وخبرة ، وإلى جانب ذلك فهو صاحب خلق رفيع وأدب عالٍ موصوف ، وقد صدرت عن يراعه الكثير من المؤلفات القيمة .
23- سماحة السيد محمد الترحيني العاملي ( دام تأييده ) ، وهو اليوم من أفاضل ومبرزي أساتذة الحوزة العربية ، وقد تخرج على يديه الكثير من الفضلاء والمحصلين ، وله مجموعة من المؤلفات المهمة ، والتي يتصدرها شرحه النفيس على اللمعة الدمشقية الموسوم بــ ( الزبدة الفقهية ) .
24- سماحة الشيخ أبو الحسن القائمي ( طاب ثراه ) ، كان من خيرة الفضلاء والمحققين ، وذا تتبع ملحوظ في كثير من العلوم والمعارف ، وأحد أساتذة البحث الخارج في قم المقدسة ، ناهيك عن عقيدته المتحمسة وولائه الشديد للعترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، وله من الآثار : تحقيقه للكتاب الأصولي العميق ( نهاية الدراية ) لشيخ المحققين الأصفهاني ( قده ) .
25- سماحة الشيخ علي المروجي القزويني ( دام تأييده ) ، من أجلاء المدرسين على مستوى البحث العالي في حوزة قم المقدسة ، وله حلقة علمية كبيرة يحضرها مجموعة من فضلاء الجالية العربية ، كما له الكثير من المؤلفات والتصانيف المطبوعة ، والتي يتصدرها شرحه الرائع على كتاب الرسائل والموسوم بـ ( تمهيد الوسائل ) ، وشرحه الآخر على المكاسب الموسوم بـ ( تمهيد المطالب ) .
26- سماحة السـيد محمد رضا الأعرجي " طيب الله ثراه " ، وقد كان من خيرة فضلاء الحوزة العلمية في قم المقدسة وأفاضل مدرسيها ، وله العديد من المؤلفات المطبوعة والكثيرة ، والتي منها : شرحه على الكفاية في خمسة مجلدات ، وأحسن الجزاء في إقامة العزاء على سيد الشهداء ، وأفضل الأعمال الصلاة على النبي والآل ، والكثير من الرسائل الفقهية والعلمية .
27- سماحة السيد محمد رضا الجلالي ( دام توفيقه ) ، وهو اليوم من فضلاء الحوزة العلمية في قم المقدسة ، وله تقريرات دورة أصولية كاملة للسيد الروحاني ، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الكثيرة والرائدة في الحديث والتاريخ والعقيدة .
28- سماحة السيد عبد المنعم الحكيم (دام ظله) ، سبط الإمام السيد محسن الحكيم ( أعلى الله مقامه ) ، وهو من أعيان الفضلاء وخيرة المدرسين في الحوزة العلمية ، وأحد أساتذة الخارج فيها ، وصاحب خلق رفيع وتواضع جم .
29- سماحة السيد حسين الشاهرودي ( دام تأييده ) ، نجل آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي ( قده ) ، وهو اليوم من كبار الفضلاء والمدرسين في الحوزة على مستوى السطح والبحث العالي ، ويتمتع إلى جانب ذلك بسمو الأخلاق وطيب المعشر والمعنويات الروحية .
30- سماحة السيد أحمد الطباطبائي التربتي ( دام تأييده ) ، وهو اليوم من أجلاء المدرسين على مستوى البحث العالي في حوزة قم المقدسة ، وخيرة المشتغلين والمحققين ، إلى جانب ما يتمتع به من التواضع والتدين والتعفف والإخلاص ، وكانت لهذا السيد الجليل علاقة خاصة بأستاذه الروحاني ( طاب ثراه ) ، وقد استفاد منه استفادة علمية كبيرة ، أهلته أن يكون أحد معتمديه في مرجعيته المباركة .
31- سماحة الشيخ عبد الرضا الكفائي ( دام تأييده ) ، نجل سماحة آية الله الميرزا أحمد ، بن الآخوند الخراساني صاحب الكفاية " قدس سره " ، وهو من المدرسين الموفقين في قم المقدسة ، وذو تتبع واسع وذوق أدبي رفيع .
32- سماحة الشيخ الدوستي الزنجاني " دام تأييده " ، وهو اليوم أحد مبرزي وفضلاء أساتذة البحث العالي في قم المقدسة ، ويحضر بحثه لفيف من الفضلاء والمشتغلين .
33- سماحة الشيخ علي المحسني الخوئي ( دام تأييده ) ، من خيرة أساتذة السطح العالي ومدرسي البحث الخارج وفضلاء الحوزة المشتغلين ، وله العديد من المؤلفات الفقهية والأصولية والعقائدية المخطوطة ، وهو على جانب كبير من التدين والتواضع وسمو الأخلاق وقوة العقيدة والولاء ، كما كانت له صلة وثيقة بالمرجع الراحل ، وكان أحد معتمديه في مرجعيته المباركة .
34- سماحة السيد حسن النبوي المازندراني ( دام تأييده ) ، وهو اليوم من خيرة أساتذة البحث العالي وفضلاء الحوزة المحترمين في قم المقدسة ، ويتمتع إلى جنب ذلك بمزيد من التواضع وسمو الأخلاق وقوة العقيدة والولاء والتدين ، وكان في مدةٍ من الزمان أحد أعضاء مجلس إفتاء المرجع الراحل ( طاب ثراه ) .
35- سماحة الشيخ مهدي الباعثي اليزدي ( دام تأييده ) ، صهر المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى الشيخ الميرزا جواد التبريزي ( قده ) ، وهو من أفاضل المدرسين المعروفين بالورع والتقوى والتواضع وسمو الأخلاق .
36 – سماحة السيد علي الميلاني ( دام تأييده ) ، وهو اليوم من كبار المؤلفين المدافعين عن حريم التشيع بكتاباته العقدية المتميزة ، مضافاً إلى كونه من أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة على مستوى البحث العالي أصولاً وفقهاً ، وله من الآثار العقائدية الكبيرة والكثيرة ما يستحق الإجلال والتقدير .
37 – سماحة الشيخ محمد تقي الجعفري ( قده ) ، وهو أشهر مِن أن يُعرف ، فلقد كان من أبرز الشخصيات الدينية والعلمية في الأوساط العامة والخاصة على مستوى إيران كلها ، ولمؤلفاتهِ العلمية في مختلف فنون المعرفة شهرة فائقة جداً ، وهي بحق تعد من أكبر الثروات التي خلفها جيله من العلماء ، ومن أبرزها شرحه القيم باللغة الفارسية على ( نهج البلاغة ) .[18]
38 – سماحة الشيخ صادق اللاريجاني ( دامَ تأييده ) ، نجل سماحة آية الله العظمى ، الشيخ الميرزا هاشم الآملي ( قده ) ، وهو اليوم رئيس القوة القضائية في الجمهورية الإيرانية ، كما أنه أحد أبرز مدرسي الخارج ، ومن أشهر المتصدين لنقد الفكر الحداثي ومناقشته .
39 – سماحة الشيخ محسن الوحيد ، نجل المرجع الديني الكبير ، سماحة آية الله العظمى ، الشيخ الوحيد الخراساني ( دام ظلهما ) ، وهو اليوم أحد أبرز أساتذة الخارج في حوزة قم المقدسة ، وأحد أركان مرجعية والده المباركة .
40 – سماحة السيد حسين بحر العلوم ( طاب ثراه ) ، المولود سنة 1348 هـ ، والمُتوفى سنة 1422 هـ في ظروفٍ غامضة ، وكان من أساتذة السطح العالي والبحث الخارج في النجف الأشرف منذ سبعينيات القرن الميلادي المنصرم ، كما جاء في بيان نعيه الصادر عن العلامة الراحل السيد محمد بحر العلوم ( رحمه الله ) ، وقد تصدى للمرجعية في أخريات عمره ، وكانت له مشاركات وإسهامات اجتماعية كبيرة وفاعلة ، وكان حضوره عند المرجع الراحل في مرحلة السطوح العالية .
41 – سماحة الشهيد الشيخ أحمد الأنصاري ( طاب ثراه ) ، المولود في مدينة قم المقدسة سنة 1338 هـ ، وقد هاجر إلى النجف الأشرف وهو في السابعة عشر من عمره ، وحضر على يد كبار أساتذتها ومدرسيها ، كالسيد عبد الهادي الشيرازي ، والسيد محمود الشاهرودي ، والسيد محسن الحكيم ، والسيد المترجم ( قدهم ) ، وكان في فترة من الزمان شريكاً في المباحثة مع الشهيد الصدر والشيخين الأخوين الجعفريين ( قدهم ) ، وقد لمع اسمه في أوساط الحوزات العلمية لما كان له من نشاط ملموس وأثر بارز فيما يرتبط بالحوزة العلمية والمجتمع الإسلامي ، ونظراً لحنكته ورجاحة عقله فقد كان من المستشارين الخاصين لزعيم الحوزات العلمية السيد الخوئي ( قده ) ، حتى أنه لما أراد مغادرة العراق بعد تسلط البعثيين عليه قال له السيد الخوئي : ( إنَّ مغادرتك النجف حرام شرعاً ؛ لأنك من أركانها ) ، وقد بقي فيها إلى أن تمَّ اعتقاله سنة 1400 هـ وغُيّبَ نوره في سجون بغداد .
42 – سماحة الشيخ محمود الأنصاري ( طاب ثراه ) ، المولود سنة 1340 ه في قم المقدسة ، والمتوفى سنة 1419 هـ ، وقد حضر – كأخيه سابق الذكر – على يد السيد الروحاني ( طاب ثراه ) في مرحلة السطح العالي ، وفي الخارج استفاد من أبحاث أعلام حوزة النجف ، كالخوئي والحكيم والشاهرودي والشيرازي ( قدهم ) ، وكان من المقيدين بترك المكروهات والمحافظة على المستحبات ، وله الكثير من المؤلفات والتقريرات ، كما كانت له الكثير من الإسهامات المهمة ، ومن أهمها : مساعيه الكبيرة في إعادة بناء الحرم المطهر للسيدة رقية ( عليها السلام ) .
43 – سماحة الشيخ نصر الله الشاه آبادي ( دام تأييده ) ، نجل العارف الإلهي الكبير الشيخ محمد الشاه آبادي ( طاب ثراه ) ، المولود عام 1350 هـ ، تتلمذ في النجف الأشرف لدى أعاظم أساتذتها ، كالسيد الخوئي والسيد الروحاني ( طاب ثراهما ) ، وكان من الطلبة المؤسسين لبحث المرجع الروحاني ( طاب ثراه ) ، وهو اليوم أحد أبرز الوجوه العلمائية والروحية في قم المقدسة .
44 – سماحة السيد مرتضى النجومي ( طاب ثراه ) ، المولود سنة 1346 هـ ، وقد هاجر إلى النجف الأشرف في بدايات حياته ، وتلقى العلم عند معاريف أساتذتها ، كالسيد محمود الشاهرودي ، والسيد محسن الحكيم ، والشيخ محمد باقر الزنجاني ، والسيد المترجم ( قدهم ) ، وقرر أبحاثهم الشريفة ، حتى بلغ مراتب عالية من العلم ، ثم عاد من النجف إلى ( كرمانشاه ) واستقرّ بها – بعد أن ضيّق البعثيون الخناق على الحوزة العلمية في النجف الأشرف – وبقي فيها قائماً بوظائفه العلمية والدينية والاجتماعية ، حتى توفي سنة 1430 هـ عن عمر يناهز الرابعة والثمانين ، تاركاً وراءه عدة من المؤلفات القيمة .
45 – سماحة الشيخ يحيى الفلسفي الدارابي ( طاب ثراه ) ، المولود سنة 1358 هـ في ( داراب ) ، وفيها نشأ وترعرع ، ثم هاجر إلى كربلاء وأخذ الأدبيات عند أساتذتها ، ثم غادرها إلى النجف الأشرف واستقر فيها ، وأخذ العلم عن كبار مدرسيها ، كالسيدين الخوئي والروحاني ( طاب ثراه ) ، وحين ضيّق البعثيون على الحوزة الشريفة غادرها إلى شيراز ، وأقام فيها مدرساً وإماماً للجماعة ومرشداً ومصلحاً ، حتى توفي عن عمر يناهز الثالثة والسبعين ، تاركاً وراءه مجموعة من المؤلفات والآثار الاجتماعية ، ومن أهمها : تفسيره ( قدوة التفاسير ) ، ومدرسة المهدي الموعود ( عج ) العلمية .
46 – سماحة السيد مير محمد اليثربي الكاشاني ( دام تأييده ) ، وهو اليوم أحد أساتذة البحث الخارج في حوزة قم المقدسة ، وأحد أعيان فضلائها ، وله الكثير من المؤلفات الفقهية والعقائدية والأخلاقية المطبوعة .
47 – سماحة السيد عادل العلوي ( دام تأييده ) ، وهو اليوم أحد فضلاء الحوزة المعروفين في قم المقدسة وأحد مدرسيها ، وله الكثير من المؤلفات المطبوعة .
48 – سماحة السيد محمد حسين الجلالي ( دام تأييده ) ، المولود سنة 1362 هـ ، وقد تتلمذ في النجف الأشرف لدى أعلام أساتذتها ، ومنهم : السيد الروحاني والسيد الخوئي والسيد الحكيم والسيد السبزواري والسيد البجنوردي ( قدهم ) ، وقد اختص بالأخير منهم ، وهو اليوم أحد أبرز مشائخ الحديث والرواية ، وله مؤلفات تحقيقية مهمة .
49 – سماحة السيد علي الروحاني ( دام تأييده ) ، نجل المرجع الراحل ( طاب ثراه ) ، وهو اليوم أحد فضلاء حوزة قم المقدسة ، وأحد مدرسيها ، وقد اهتم به والده المقدّس فدرسه بشكلٍ خاص دروس السطح العالي ، ثم التحق بأبحاث والده العليا ، كما استفاد من أبحاث العلمين التبريزي ( قده ) والوحيد الخراساني ( دام ظله ) ، وكان معتمد والده الراحل في مسيرة مرجعيته المباركة .
ولا زال مكتب مرجعية والده المعظم عامراً بوجوده – ووجود أخيه السيد الحسن – حيث يجتمع فيه عدة من فضلاء تلامذة والده وغيرهم ، ويتم تداول المسائل العلمية ، وإحياء الشعائر الدينية ، كما أنَّه لا زال مقصداً للفقراء وملاذاً للمحتاجين ، وتحت مظلته تُدار العديد من المشاريع الخيرية .
50 – سماحة السيد حسن الروحاني ( دام تأييده ) ، نجل المرجع الراحل ( طاب ثراه ) ، وهو اليوم أحد فضلاء حوزة قم المقدسة ، وأحد مدرسيها ، وقد اهتم به والده المقدّس فدرسه بشكلٍ خاص دروس السطح العالي ، ثم التحق بأبحاث والده العليا ، كما استفاد من أبحاث العلمين التبريزي ( قده ) والوحيد الخراساني ( دام ظله ) ، وكان معتمد والده الراحل في مسيرة مرجعيته المباركة ،
51 - سماحة الشيخ على الوحيدي التبريزي ( دام تأييده ) ، وكان أحد المشاركين في مجلس استفتاء المرجع الراحل طاب ثراه ، وممن حازوا على ثنائه وإعجابه ، وهو اليوم أحد أساتذة البحث الخارج في حوزة قم المقدسة ، وأحد أعيان فضلائها .
52 - سماحة السيد علي الحسيني الصدر ( دام تأييده ) ، وهو اليوم أحد أساتذة البحث الخارج في حوزة قم المقدسة ، وقد طبعت له عدة من المؤلفات القيمة ، ومن أبرزها : الفوائد الرجالية ، والعقائد الحقة وغيرهما .
53 - سماحة الشيخ مهدي الگنجي ( دام تأييده ) ، وهو اليوم أحد أبرز أساتذة الأبحاث العالية في حوزة قم المشرفة ، وله صيت ذائع ودروس عامرة بالفضلاء والمشتغلين .
54 - سماحة السيد محمد علي الموسوي الجزائري ( دام تأييده ) ، تتلمذ في النجف الأشرف على يد العلمين المحققين الخوئي والروحاني ( طاب ثراهما ) وغيرهما من الأعلام ، وهو اليوم عالم مدينة الأهواز وأستاذ البحث العالي وإمام الجمعة فيها .
55 - سماحة السيد محمد حسين النبوي الشيرازي ( طاب ثراه ) .
إلى غير هؤلاء من العلماء الأعلام ، الذين يصعب إحصاؤهم وتتبعهم ، والكثير منهم – كما قرأتَ – من وجوه المراجع والأساتذة والمؤلفين ، الذين ساهموا في خدمة التشيع ، وإثراء الحركة العلمية والفكرية والسياسية فيه .
مؤلفاته
يشكل التأليف جانباً مهماً يعكس قدرة المؤلف العلمية ، فمتى ما أُريد معرفة الشخص علمياً يُرجعُ في أغلب الأحيان إلى قياس مستوى نتاجه العلمي المدون ، وللسيد الروحاني ( طيب الله ثراه ) العديد من المؤلفات ، بعضها بقلمه الشريف ، والأخرى بأقلام تلامذته الذين قرروا أبحاثه ، نذكر منها :
1- شرح استدلالي مبسوط على مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري " قدس الله نفسه الزكية " بقلمه الشريف .
2- شرح استدلالي على كتاب الاجتهاد والتقليد من كتاب ( العروة الوثقى ) للفقيه الأعظم السيد اليزدي " قدس الله نفسه الزكية " بقلمه الشريف .
3- شرح استدلالي على كتاب الطهارة من كتاب ( العروة الوثقى ) للفقيه الأعظم السيد اليزدي " قدس الله نفسه " بقلمه الشريف .
4 – شرح استدلالي على بعض كتاب الصلاة من العروة الوثقى بقلمهِ الشريف.
5 - رسالة علمية في استصحاب العدم الأزلي ، بقلمه الشريف .
6 - رسالة علمية في فـروع العلم الإجـمالي ، بقلمه الشريف .
7 - منتقى الأصول ، وهو عبارة عن تقريرات بحوثه الأصولية بقلم الشهيد المقدس السيد عبد الصاحب الحكيم ، طُبعت في سبعة أجزاء ، وهي تشكل نتائج أبحاثه في دورته التي ألقاها سماحة السيد الراحل قبل ثلاثين سنة .
8- تقريرات أصولية ، بقلم فضيلة العلامة المتتبع السيد محمد رضا الحسيني الجلالي .
9 - المرتقى إلى الفقه الأرقى ، وهو عبارة عن تقريرات فقهية لأبحاث السيد المعظم في كتاب الزكاة ، وقد طبع مؤخراً في ثلاثة أجزاء ، بقلم سماحة آية الله المغفور له الشيخ محمد صادق الجعفري ( رحمه الله ) .
10 - المرتقى إلى الفقه الأرقى ، وهو عبارة عن تقريرات فقهية لأبحاث السيد الراحل في كتاب الحج ، بقلم سماحة آية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم " رحمه الله " ،وقد طبع مؤخراً في جزئين.
11- المرتقى إلى الفقه الأرقى ، وهو كسابقيه في كونه تقريرات لأبحاث السيد الروحاني الفقهية على كتاب ( الخيارات ) ، بقلم الشهيد الحكيم نفسه ، يقع في مجلدين ، طبع كلاهما في السنوات الأخيرة .
12- المرتقى إلى الفقه الأرقى ، وهو عبارة عن تقريرات فقهية لأبحاث السيد المقدس على كتاب ( الخمس ) ، بقلم تلميذه الشهيد ( قدس الله نفسيهما ) ، وقد طُبع أخيراً .
13- المرتقى إلى الفقه الأرقى ، وهو عبارة عن تقريرات فقهية لأبحاث السيد المقدس على كتاب ( الصوم ) ، بقلم تلميذه الشهيد ( قدس الله نفسيهما ) ، وقد طُبع أخيراً .
14 – كتاب المكاسب المحرمة ، وهو الآخر أيضاً عبارة عن تقريرات فقهية لأبحاث السيد الروحاني ، بقلم الشيخ محمد صادق الجعفري " طيب الله ثراه " .
15 – كتاب البيع ، بقلم سماحة الحجة الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم ، " قدس الله نفسه الزكية " .
16- رسالة في قاعدة اليد ، وتقريرات مجموعة من القواعد الفقهية ، بقلم سماحة العلامة الحجة السيد علي مكي العاملي " حفظه الله " .
هذا .. بالإضافة إلى عشرات التقريرات الفقهية والأصولية ، التي كتبها العشرات من أفاضل تلامذته المبرزين .
وباستثناء الرسائل العملية التي أعدّها بعد رحيل زعيم الطائفة الإمام الخوئي " أعلى الله مقامه " ، ليستفيد منها مقلدوه ، والتي كان منها :
1- منهاج الصالحين ، في جزئين ، باللغة العربية .
2- المسائل المنتخبة ، باللغة العربية .
3- توضيح المسائل ، باللغة الفارسية .
4- مناسك الحج ، باللغتين العربية والفارسية .
مضافاً إلى العديد من الرسائل العملية المترجمة إلى اللغات الأجنبية ، وكذلك العديد من الرسائل الفتوائية المختصرة .
مرجعيته
كان سماحة السيد الراحل هو الركن الأول المساند لمرجعية الإمام الخوئي " قدس الله نفسه الزكية " ، وذلك منذ أن تصدى للمرجعية الدينية ، حيث كتب تعليقته على العروة الوثقى بمشاركة السيد الروحاني ( قدس الله تربته ) .
ولم تنقطع العلاقة العلمية بين السيدين العظيمين " قدس سرهما " ، بل كانت مستمرة على شكل مباحثات علمية دقيقة ، طوال الفترة الطويلة التي قضاها سماحة السيد الراحل كواحد من كبار الأساتذة والمدرسين في النجف الأشرف .
وعندما أُخذ السيد الخوئي ( قده ) للمستشفى في بغداد عاده السيد الروحاني ، فأخذ السيد الخوئي يستحث السيد الروحاني على مسائلته في أمهات المطالب العلمية ، حتى يعرف الحاضرون أنه على تمام الوعي ، وأن الوجع لم يؤثر عليه ولا على استحضاره لمهمات المطالب ، لأنه في ذلك الوقت كان يريد بيان وصيته ، وكان يريد من السيد أن يكون شاهداً على ذلك ، وهذا يعكس مدى الثقة الكبيرة التي كان يوليها السيد الخوئي لسماحة السيد الراحل ، ومدى الاعتماد الكبير الذي كان يعطيه للسيد خصوصاً في الأمور الهامة والخطيرة .
وفي المرة الأخرى عندما أراد السيد الخوئي " قدس الله تربته " السفر إلى لندن من أجل العلاج سنة 1391 هـ ، طلب من السيد الروحاني أن يستلم مفاتيح الأمانات ، وبحسب العرف النجفي فإنَّ هذا يعد ترشيحاً للمرجعية[19].
ولكنَّ السيد الراحل قد أخذَ على نفسه أن لا يتصدى لأمور المرجعية العامة ما دام السيد الخوئي على قيد الحياة ، احتراماً له وتقديراً لمقامه ، فلم يكن عندما يُسئل عن مسألة فرعية يجيب على طبق رأيه ، بل كان يجيب السائلين بكلمة : فتوى السيد الخوئي كذا احتراماً لأستاذه ووفاءً بالعهد الذي بينهما .
وينقل فضيلة العلامة التقي السيد عبد الزهراء الخطيب " طيب الله ثراه " كما سمع منه غير واحد : أن آية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم ( قده ) بعد وفاة والده الإمام الحكيم ( قده ) كان يرجع من يسأله في أمر التقليد إلى سماحة الإمام الراحل الروحاني " أعلى الله في الخلد درجته " .
ولم يكن ذلك هو نظر السيد الشهيد فقط في أهلية السيد المعظم للمرجعية منذ ذلك الوقت ، بل إن غيره من أعاظم المراجع كسماحة المرجع المقدس آية الله العظمى السيد أحمد الخونساري ، وآية الله العظمى المقدس السيد عبد الله الشيرازي " قدس الله نفسيهما " كانوا يرجعون من يقلدهم في المسائل الاحتياطية إلى سماحة السيد الراحل ( قده ) .
وفي السنوات الأخيرة من حياة الإمام الخوئي ( قده ) ، والتي بان الضعف عليه فيها ، كان كلما مرّت عليه أزمة صعبة في أمور الزعامة الدينية رددَّ : لو كان السيد الروحاني موجوداً في النجف الأشرف لسلمتُ له زعامة الحوزة[20].
وما إن تقدّمت السن بالإمام الخوئي حتى زاد شعوره بالمسؤولية تجاه حوزة النجف الأشرف العلمية ، فتضاعف إصراره على السيد الروحاني بلزوم العودة إلى النجف الأشرف ، رغم ما كان يكتنف أمر عودته من الصعوبات التي ربما تواجهه تحت ظل النظام العراقي .
وبالفعل عزم السيد الراحل على الذهاب ، وما إن عرف فضلاء الحوزة ذلك حتى انفرجت أساريرهم ، لما كانوا يعرفونه عنه مسبقاً من العطاء المتميز والقدرة العلمية الفريدة ، غير أن الظروف السياسية في الخليج حالت دون تحقيق أمنية السيد الخوئي " طيب الله ثراه " بقدوم سماحة السيد الروحاني إلى النجف ، فكانت أزمة حرب الكويت .
وبعد فترة قليلة توفي الإمام الخوئي " أعلى الله درجته " ، إثر أحداث مشوبة بالغموض ، فهرع الناس للبحث عن المرجع من بعده ، فكان السيد الروحاني في مقدمة من رشحتهم الحوزة العلمية لهذا المنصب الإلهي الكبير .
وشهد الكثير من العلماء وأساتذة الحوزة وذوي الخبرات بأهليته وأعلميته ، ولكن السيد الراحل لم يكن راغباً في التصدي ، نظراً لما يتطلبه من المسؤولية الخطيرة التي لا يتحملها إلا الفرد من العلماء ، ولم يكن ذلك في نيته أصلاً ، ولهذا لم يعد من قبل أو يهيئ رسالة عملية واحدة .
ولكن بالإصرار الشديد من العلماء والأفاضل ، ونزولاً عند رغبة الكثير من المؤمنين ، وافق على ذلك ، وبدأ في إعداد رسائله العملية ، فكان من أبرز مراجع الشيعة ووجوههم في فترة زمنية وجيزة .
وبعد رحيل السيدين العظيمين والمرجعين الكبيرين ، سماحة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري ، وسماحة الآية العظمى السيد محمد رضا الكلبيكاني " قدس الله نفسيهما " ، تطــلّعت إليه الأنظار في كافة الأوساط الشيعية والحوزات العلمية ، ورجعت إليه أغلب العوائل العلمائية ، وانتشر مقلدوه في كثير من أنحاء العالم ، لما عرفوا عنه من الكفاءة العلمية العالية ، وأهلية القيادة والزعامة لخدمة الطائفة الشيعية .
وفـاتـه
وبعد أن تربع السيد الراحل على دست المرجعية وعرشها الثابت - رغم العواصف الهوجاء التي واجهت مرجعيته - لمدة خمس سنوات متتالية ، ألمَّ به عارض صحي مفاجئ ، فأودى بحياته الزكية ، والتحقت روحه الطاهرة ببارئها في فجر يوم الجمعة ، الموافق للتاسع عشر من شهر ربيع الأول ، سنة ألف وأربعمائة وثمانية عشر للهجرة ، عن عمر يناهز الثمانين عاماً ، قضاه في خدمة العلم والعقيدة والطائفة ، فأيتم الأمة بفقده ، وأحدث في جسد الطائفة ثلمة لم تسد إلى يومنا هذا ، وفي قلبها جرحاً لن يندمل ، فرحمه الله بواسع رحمته ، ولا حرمنا من رؤيته وشفاعته ، وإنّا لله وإنّا إليهِ راجعون .
[1] تقسم الدراسة الحوزوية إلى ثلاث مراحل :
الأولى : مرحلة المقدمات ، وتضم المبادئ الأولية لدراسات الفقه والأصول كدروس النحو والصرف والبلاغة والمنطق ، وشطر من العقائد والتفسير ، وبعض الأحكام الشرعية الموجودة في الرسائل العملية .
الثانية : مرحلة السطوح ، وهي المرحلة الجدية الممهدة للخوض في مهمات مسائل الفقه والأصول ، وتضم دروس الفلسفة والكلام ، وشطراً من بحوث علم الرجال والدراية والحديث ، ودراسة بعض الكتب والمتون الفقهية والأصولية .
الثالثة : مرحلة الخارج ، وهي المرحلة الحقيقية للدراسة الفقهية والأصولية ، وفيها يتعرض المجتهد للمسائل بشكل مفصل ، ويدلي برأيه في ختام كل مبحث ومسألة .
[2] ينقل آية الله الشيخ مجد الدين محلاتي – قده - : أنه كان في كتاب المكاسب عبارة صعبة لم أفهم معناها ، وكنت أرجع فيها إلى الفضلاء ، ولم يكن يتضح لي المراد منها ، إلى أن سافرت إلى النجف الأشرف ، وهناك قمت بطرح العبارة على الفضلاء ، لكنها ظلت لاتزال عندي مجملة مشكلة ، إلى أن لقيت السيد الروحاني فسألته عن العبارة ، فشرحها لي بصورة واضحة ، بحيث لم يبق عندي فيها أي اشكال .
[3] أي : صاحب تقريرات المحقق النائيني ( قده ) المعروفة بـ ( فوائد الأصول ) .
[4] جدير بالذكر أنه ( طاب ثراه ) قد أُجيز بالاجتهاد من قبل مرجع الطائفة الأعلى السيد أبو الحسن الأصفهاني ( طاب ثراه ) ، وأمضى إجازته أستاذه المحقق الشيخ محمد كاظم الشيرازي ( طاب ثراه ) .
[5] قال عنه الأميني في معجم رجال الفكر والأدب في النجف 1/196 : وهو الشيخ يوسف بن الشيخ علي بن الشيخ عبد الحسين النجفي ولد سنة 1339 ـ1411هـ ، عالم فاضل جليل ، متواضع مجتهد ، ولد في النجف الأشرف ، وقرأ على أبيه وعلى تلاميذ والده ، ونال حظاً وافراً من الفقه والأصول ، وتصدى للتدريس والبحث ... وعرف بالفضيلة والتقوى والسمعة والوجاهة والبحث والمطالعة .
[6] والده هو : المحقق الايرواني (قده) من أكابر وأعاظم المحققين ، وله آراؤه العلمية في الفقه والأصول ، وله حاشية المكاسب وحاشية أخرى على الكفاية ، ملأهما من الآراء العلمية التي مازال العلماء والمدرسون في أبحاثهم الخارج ينهلون منها .
[7] الفوائد الرجالية : 1 / 170 .
[8] هذا اللقب مختص اليوم بفريد عصره ووحيد دهره آية الله العظمى الشيخ مرتضى الأنصاري ، صاحب الكتابين الرسائل والمكاسب ، وهما عمدة ما يدرس في مرحلة السطح العالي في الدراسة الحوزوية ، بالإضافة إلى كتاب الكفاية .
[9] وهو سماحة آية الله الشيخ محمد تقي إشراقي .
[10] هذا البحث من الـمباحث الأصولية الدقيقة والمهمة ، فليراجع مـحله من الكتب الأصولية .
[11] وينقل السيد بني طبا ( حفظه الله ) يقول : كنتُ في طفولتي أُقيم مع عائلتي في قم المقدسة ، وفي يوم من الأيام كنتُ ألعب مع أصدقائي بجانب بيت المرجع الديني السيد صادق الروحاني ( قده ) _ جد السيد الروحاني لأبيه – فرأينا العربة التي كانت تقل السيد البروجردي ( قده ) قد توقفت بجانب بيت المرجع الروحاني ، مما أثار فضولنا للسؤال عن سبب مجيء السيد البروجردي ( قده ) إلى هناك ، فقيل لنا : إنَّ حفيد السيد صادق الروحاني قد جاء من النجف ، وهو مجتهد رغم صغر سنه ، فجاء السيد البروجردي لزيارته تبجيلاً له .
[12] نقلها آية الله الشيخ عبد النبي الكجوري "قده " المقيم في مشهد ، في بيانه الذي وقع فيه على أعلمية السيد الروحاني ( قده ) .
[13] لقد طبع بعضها مؤخراً باسم " منتقى الأصول " في سبعة أجزاء ، بقلم آية الله الشهيد المقدس السيد عبد الصاحب الحكيم ( قدس سره ) ، وقد أخذت هذه الدورة الأصولية موقعاً متميزاً يضعها في صدارة المكتبة الأصولية المعاصرة ، بحيث أصبحت مرجعاً مهماً لجميع علماء وطلاب الحوزة العلمية .
[14] نقل ذلك آية الله الشيخ محمد رضا الجعفري رحمه الله ، فقال : طيلة ثمانية عشر سنة كنّا نرى السيد الصدر طيب الله تربته إما خارجاً من بحث السيد الروحاني (قده) أو في الطريق راجعاً أو ما زال جالساً لم يكمل الدرس ، فننتظر حتى ينهي سيدنا الأستاذ بحثه معه ثم يشرع معنا .
[15] ونقل السيد محمد الحسيني في كتابه ( محمد باقر الصدر حياة حافلة وفكر خلاق ) ص 55 عن الشيخ محمد إبراهيم الأنصاري ، عن المرجع الكبير السيد السيستاني ( دام ظله ) : أنه زار السيد محمد النوري في غرفته بمدرسة الخليلي – بصحبة الشيخ علي أصغر الشاهرودي – فوجد لديه كتاب ( غاية الفكر ) للشهيد الصدر ( قده ) ، وعليه إهداؤه المذكور للسيد الروحاني ( طاب ثراه ) .
[16] أثار هذا اللقب تعجب بعض الأشخاص الذين اطلعوا على التقريظ ، وحين أبدوا تعجبهم للمرحوم السيد الروحاني ( طاب ثراه ) قال لهم : إنَّ المحقق النائيني ( قده ) قد لقّب المحقق الكاظمي ( قده ) بهذا اللقب حين قرظ تقريره الشهير ( فوائد الأصول ) ، ومما لا شك فيه أنَّ السيد عبد الصاحب أفضل من المحقق الكاظمي حين كتابته لفوائد الأصول ، فهو أولى بهذا اللقب .
[17] المرتقى إلى الفقه الأرقى ( كتاب الزكاة ) ، ج1 ، ص 7 .
[18] ذُكرَ كأحد تلامذة السيد الروحاني ( قده ) في موقع ( تبيان ) الالكتروني ، وهو من أشهر المواقع الإيرانية http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=53580 كما ذُكرَ أيضاً كذلك في موقع ( مركز آل البيت العالمي للمعلومات ) hppt://www.al-shia.org/html/ara/others/?mod=monasebat&id=350
[19] فهرس التراث : 2 / 682 ، لسماحة السيد محمد حسين الجلالي ( دام عزه ) .
[20] أحد الذين نقلوا هذه الكلمة عن الإمام الخوئي ( قده ) هو سماحة العلامة السيد عبد الحسين القزويني ( رحمه الله ) الذي كان من خاصة السيد الخوئي ومقربيه .