شذراتٌ من حياة سماحة آية الله العظمى الروحاني «قده» ( للفاضل الحاج حسين الشاكري )
شذراتٌ من حياة سماحة آية الله العظمى الروحاني «قده» [1]
الفاضل الحاج حسين الشاكري - العراق
مولده ونشأته:
ولد العلّامة السيّد محمّد الروحاني ابن العلّامة السيّد محمود بن العلّامة السيّد صادق ابن العلّامة زين العابدين ابن السيّد حسين _ وهم سلسلة أمجاد كابراً عن كابر _ في قم المقدّسة سنة 1338 هـ وتربّى في حجر والده، وكان يتّصف بالنبوغ منذ نعومة أظافره، فسلك به والده طريق طلب العلم، فدرس المقدّمات وقسماً من السطوح على والده وكبار العلماء في حوزة قم المقدّسة.
وفي سنة 1355 هـ توجّه إلى العراق وقصد كربلاء المعلّاة لإكمال دراسة السطوح على آية الله العظمى السيّد محمّد هادي الميلاني، وبعدها انتقل إلى النجف الأشرف، لإكمال دروس الفقه والاُصول على فطاحل علمائها، أمثال العلّمة الشيخ محمّد حسين كمباني، والعلّامة الشيخ محمّد كاظم الشيرازي، والعلّامة الشيخ محمّد رضا آل ياسين، وغيرهم تغمّ>هم الله برحمته، زكانوا يولونه عناية خاصّة لما لمسوا فيه من بوادر النبوغ والنضج العلمي المتميّز.
وقد تابع مسيرته العلمية حتّى شهد بمَلَكَتِه الاجتهادية ومقدرته العلمية أكابر علماء الحوزة العلمية آنذاك وهو لم يجتز العقد الثالث من عمره.
وقد اشتهر بحثه بالدقّة والتحقيق، وشهد له بذلك من حضر بحث، من الفضلاء المتقدّمين من طلّاب الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، وسار بأبحاثه سيرة المراجع العظام كالإمام الحكيم والإمام السيّد الخوئي رضوان الله عليهم.
والمعروف عنه «قدس سره» أنّه وهب نفسه للعلم والبحث بكلّ وجوده، واندفع بكلّ كيانه لمواصلة التحصيل من دراسة الاُصول وتدريسه خاصّة، وتخرّج عليه أفذاذ العلماء.
ثمّ عاد إلى مسقط رأسه قم المقدّسة بصيدٍ سمين سنة 1397 هـ إثر التسفيرات التي شملته من قِبَل السلطات الملحدة في العراق.
وكان الساعد الفعّال للمغفور له العلّامة السيّد الخوئي «قدس سره» والحوزة العلمية في النجف الأشرف.
وما أن استقرّ به المقام في عشّ آل محمّد _ قم _ حتّى هرع العلماء وطلاّب العلم ينتهلون من نمير علمه، فبدأ بالبحث فقهاً واُصولاً، فقد حضر دروسه طليعة الطلّاب، فكان نعم المعلّم والمربّي، وتخرّج عليه العلماء والمحقّقين، لا يشغله عن ذلك شاغل، حتّى وافته المنيّة ولبّى نداء ربّه راضياً مرضيّاً «رحمه الله» في قم المقدّسة صباح يوم 19 ربيع الأوّل من سنة 1418 هـ عن عمرٍ ناهز الثمانين عاماً رضوان الله عليه.
تلامذته:
لقد تلمذ عليه «قدس سره» في البحث الخارج وفي الفقه والاُصول جمع من أفذاذ العلماء في النجف الأشرف، أمثال:
العلّامة الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، دروس الخارج منذ سنة 1368 هـ فقهاً واُصولاً.
الشهيد السيّد عبد الصاحب الحكيم _ نجل الإمام السيّد الحكيم _ مدّة لا تقلّ عن عشرين عاماً، فقهاً واُصولاً.
الشهيد السيّد علاء الدين الحكيم، نجل الإمام السيّد الحكيم «قدس سره».
العلّمة السيّد علي مكّي، نجل العلّمة السيّد حسين مكّي العاملي.
العلّامة الشيخ محمّد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان.
وغيرهم من فطاحل العلماء والمجتهدين، الذين يصعب حصرهم.
أمّا سلوكه وأخلاقه:
فهي ممتدّة من سيرة وسلوك أجداده الطاهرين بكلّ تصرّفاته.
أمّا مؤلّفاته:
بعضها بقلمه، والُخرى بقلم مقرّري أبحاثه العالية من بعض تلامذته.
شرح استدلالي مبسوط، على مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري «قدس سره».
شرح استدلالي، على كتاب الطهارة من العروة الوثقى.
شرح استدلالي، على كتاب الصلاة من العروة الوثقى.
رسالة في استصحاب العدم الأزلي.
هذا ما كان بقلمه الشريف.
وأمّا تقريرات تلاميذه فهي كثيرة، أعرضنا عنها للاختصار.
مرجعيّته:
كان قدس سره حجر الزاوية والمساعد الأوّل لمرجعيّة الإمام السيّد الخوئي «قدس سر» بعد وفاة سلفه العلّامة السيّد أبو الحسن الإصفهاني قدس سره «1365 هـ »، ومن بعده الإمام السيّد الحكيم قدس سره «1390 هـ »، وما انقطعت علاقته العلمية بالعلّامة السيّد الخوئي «قدس سره» وحتّى استقراره في قمّ المقدّسة، فكانت اتّصالاته بشكل رسائل ومباحث. وقد استمرّت فترات طويلة بصفته أحد طلّابه وأحد أساتذة الحوزة العلمية في النجف وقم، وما تصدّى، ولا فكّر في تصدّيه للمرجعيّة، ما دام السيّد الخوئي على قيد الحياة، احتراماً لاُستاذه، واعترافاً، ووفاء.
وفي السنوات الأخيرة من حياة السيّد الخوئي «قدس سره» استدعاه إلى النجف الأشرف، لإدارة الحوزة العلمية من بعده، وبالفعل استدّ لتلبية رغبة اُستاذه، غير أنّ الظروف الحرجة التي حدثت في الخليج، حالت دون تحقيق اُمنيته وذلك بسبب أزمة اجتياح العراق الكويت.
وبعد وفاة السيّد الخوئي في النجف الأشرف اتّجهت الأنظار إليه، ورُشّح للمرجعيّة مع من رشّح من زعماء الحوزة، غير أنّه ما كان مستعدّاً لتحمّل المسؤولية الخطيرة، إذ لم يعدّ لها العدّة، وبعد رحيل المرجع السيّد الكلبايكاني والسيّد المرعشي النجفي «قدس سرهما» توجهّت الأنظار إليه مرّة اُخرى.
سمعت الكثير عنه قدس سره عندما كنت في بغداد وهو في النجف الأشرف، غير أنّ التوفيق لم يحالفني للتشرّف بخدمة سماحته، حصل لي هذا الشرف عندما وضعت رحلي في قم المقدّسة وسكنت عشّ آل محمّد ، فقد تشرّفت بخدمته مرّات ومرّات، وقد أحاطني قدس سره بلطفه وعنايته الخاصّة، وكان من المشجّعين والداعمين لمشروع مدرسة الإمام علي النموذجية [2] ، والذي حصل لي الشرف في تأسيسها في قم المقدّسة لأبناء العراق المهاجرين والمهجّرين من الأيتام وأبناء الشهداء والمعوّقين وغيرهم، إلى أن وافته المنيّة في قم صباح يوم 19 ربيع الأوّل سنة 1418 هـ ، وشيّع جثمانه الطاهر تشييعاً مهيباً محاطاً بمواكب المعزّين إلى رمسه في داره، وقد رثاه الاُدباء والشعراء بما يناسب مقامه.
وخلفه العلّامة السيّد علي والعلّامة السيّد حسن، الذين ساروا على منهاج والدهم وأقاموا مقامه. ذكرت تفصيل ذلك في المجلّد الرابع من ذكرياتي، الصفحة 9.
ولا يزال مجلسه عامراً بعد رحيله بحلقات الدرس والمذاكرة دون انقطاع ليلاً ونهاراً، كما تقام الشعائر الدينيّة بكلّ أبعادها في كلّ المناسبات لا سيّما في شهر محرّم الحرام وليالي شهر رمضان المبارك، من إقامة مجالس التأبين، والحضور فيه عامراً وكثيفاً ومزدحماً بإدارة أولاده المقرّبين من طلّابه.
فسلام عليه يوم ولد، ويوم دَرَس ودرّس، واجتهد ونافح، ويم يُبعث حيّاً ليلتحق بأجداده الطاهرين، وحسن اُلئك رفيقاً.