كلمة سماحة العلامة الكبير الشيخ محمد جواد السهلاني

المحرر

 

كلمة سماحة العلامة الكبير الشيخ محمد جواد السهلاني "دام عزه" [1]  

 

بسم الله الرحمن ا لرحيم

 

" أيها الحفل الكريم ؛ أصحاب السماحة العلماء الأعلام ، والإخوة المؤمنين :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

اليوم يوم الأربعين لرحلةٍ        فيها محمّدُ جاور الرحمانا

قد كان عنواناً لشرعةِ أحمدٍ     واليوم قد فقدتْ به العنوانا

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا

نبأٌ أُذيع فذبتُ في أحزاني         فقد الإمام محمّد الروحاني

فبكته أعلام الهدى في لوعةٍ      ورثته في ألمٍ وفي أشجانِ

هذي شريعةُ أحمدٍ بمحمّدٍ          ثكلى وتنعاه مدى الأزمانِ

بحرٌ من العرفانِ غاض فمَن       يكن من بعد هذا البحرِ للعرفانِ

آمنتُ إيماناً عميقاً صادقاً          بمحمّدٍ والآلِ من عدنانِ

أيها السادة : أحسن الله لكم العزاء ، وأجزل لكم الأجر والثواب لما نحن فيه من فاجعة عصفت بالأُمة الإسلامية فغاب عن سمائها بدرها المنير الذي أضاء الدرب لكثير ممن لفّهم الظلام . فاسمحوا لي أن أتقدّم باسمكم جميعاً ، بل وباسم كل من فُجع بهذا المصاب العظيم ، أتقدّم بالعزاء محاطاً بآهات الألم ، مبتلاً بدموع الحزن ، مصحوباً بنـزف الجرح الذي لا يندمل ، معزّياً صاحب الأمر والزمان ، إمامنا المهدي – عجّل الله فرجه القريب – ومعزّياً مراجعنا العظام أطال الله أعمارهم بفقدنا فقيد العلم والزهد والورع والتقوى ، آية الله العظمى الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الروحاني أعلى الله مقامه .

يا للرزية بعد فقد محمّدٍ              فمصابنا فيه عظيم الشانِ

قد كان عيلم أُمّةٍ في نهجهِ           يدعو إلى الأخلاق والقرآنِ

من علمه الفيّاض أروى صفوةً     لم يختلف في علمهِ اثنانِ

هو آية الرحمان جلّ جلالهُ          يدعو الورى لعبادة الرحمانِ

فبشخصه الميمون سادت أُمّةٌ       وبفقدهِ تبكي من الخسرانِ

أيها الإخوة : إن كلّ فرد من هذه الأُمة الإسلامية يشعر بالمأساة وبالحزن العميق حينما يغيب عنها بدرها المنير من أُفق العلم والمعرفة .. أجل ، تشعر بخسارة جسيمة لا يقوى على تحمّلها إلا الصابرون ، ففقد أحد المراجع الدينية يكون فراغاً لا يشغله غيره ، فكيف والسيد الفقيد الروحاني هو من أبرزهم علماً وفقاهةً وتقىً وفضلاً ، كما انه من أظهر مجتهدي حوزة النجف الأشرف العريقة بعلمها وعلمائها ، وقد تخرّج على يده كثير من المجتهدين وقادة المجتمع ، وقد احتل مركز المرجعية الدينية بجدارة وكفاءة وعزّة ، فقد كان قوياً في ذات الله لا تأخذه فيه لومة لائم ، وها قد مضى على هذا المصاب العظيم بفقده أربعون يوماً ، فأيّ خسارة للأُمة الإسلامية مثلها ؟ لست أدري .

إن المصاب بفقده يجل عن الوصف ، ولا يقوى على التعبير عنه بلغاء هذا العصر ولا فصحاؤه ، فعبقرية السيد الراحل عبقرية يتعذر وصفها على الواصفين ، بما تستحقها من إجلال وإكبار واحترام ، فهو فلتة قرن العشرين بصفاته الفذة وعبقريته النادرة ، وفي علمه الغزير وتقواه واجتهاده . . أجل ، حباه الله بصفات مباركة لا يمنحها إلا لمن أحبه من عباده واصطفاه ؛ فالعلماء يقصدونه لعلمه ، وذوو الأخلاق يتخذون من أخلاقه نبراساً لهم ، وأهل الحاجات يطوفون حول سماحته لكرمه وإحسانه ، حباه الله بصفات آبائه الغرّ الميامين .

( ليس على الله بمستنكَرٍ        أن يجمعَ العالَمَ في واحدِ )

أيها الإخوة .. إليكم نبذة موجزة عن حياة الفقيد الراحل ، كما ذكرها المؤرخون :

هو السيد محمد بن السيد محمود بن السيد صادق ، ولد 1336هج المصادف 1918م ، وهو من كبار أئمة التقليد ومراجع الفقه والأُصول ، ورِع ، صالح ، تقي ، تتلمذ على يد السيد عبد الله الشيرازي ، ولازم أبحاث السيد الخوئي ، أقام في النجف الأشرف عدداً من السنين ، كان خلال هذه المدة المنار لتدريس الفقه والأُصول ، وقد تخرّج على يده الكثير من العلماء والمجتهدين ، غادر النجف الأشرف ، وانتقل إلى مدينة قم المقدسة ، وواصل فيها تدريسه العلمي ، ورجعت إليه الكثير من الأقطار الإسلامية في التقليد ، سواء كان ذلك في إيران أو في العراق أو في السعودية أو في باكستان أو في تركيا وغيرها من (المدن) الإسلامية ، لما عرف عن سماحته من علم جمّ وزهد وورع ، وله من مؤلفاته القيّمة : تعليقات في الفقه والأُصول ، حاشية في المكاسب ، رسالة في القِبلة ، شرح العروة الوثقى ، كتاب الطهارة والصلاة ، قاعدة لا ضرر ، مجموعة من القواعد الفقهية ، إضافة إلى رسالته العملية . أولاده : السيد علي والسيد حسن .

أيها الحفل الكريم : تعرّفتُ على ذاته المباركة المقدّسة في النجف الأشرف لما كنت أسعد بزيارته في منـزله الرفيع ، أو في منـزل الشهيد الحجّة السيد عبد الصاحب الحكيم ، وكم لمست من ذاته المقدّسة تكريماً واحتراماً والطافاً جمةً ، سواء كان ذلك في النجف الأشرف ، أو في قمّ المقدّسة ، أو في لندن ، وحتى في أيام مرضي الأخيرة . وقد كان يذكرني في كثير من المناسبات بكلمته الخالدة ، والتي أعتزّ بها كثيراً ؛ أنّ الشيخ السهلاني صديقي الصادق ، وقد رواها عنه الكثير من العلماء الأعلام ، مضافاً إلى ما تفضّل به عليّ من تمثيلي لسماحته في الأحكام الشرعية .. فمصابي فيه لَمصاب جلل ، يفتّ الأكباد ، ويجري الدموع دماً .

[1]  ألقاها في المجلس التأبيني الذي أقامه مركز أهل البيت الإسلامي في لندن